قراءة تحليلية في وثيقة بيع أصول الدولة المصرية

 

د. أحمد ذكر الله

لم يكن إعلان رئيس الوزراء المصري عن استهداف الدولة إتاحة أصول ذات ملكية عامة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصرى أو الأجنبي لمدة 4 سنوات جديدا علي الدولة المصرية أو حتى النظام الحالي، فقد سبقت موجات متتالية من الخصخصة في عصر مبارك، وقد سبق كذلك من الحكومة الحالية إعلان برنامج للطروحات الحكومية والذي تم تأجيل تنفيذه عدة مرات سابقة بدواعي مختلفة.

 وقد تبع الإعلان المذكور لرئيس الوزراء وثيقة “سياسة ملكية الدولة”، والتي تضمنت مسودة تخلص الحكومة تماماً من جميع استثماراتها وملكياتها فى حوالي 79 نشاطاً فى القطاعات المختلفة، مع الإبقاء على بعض الحصص الاستثمارية في مشروعات أخرى، والإبقاء على الملكية الكاملة في مشروعات محددة.

ويرى البعض أن هذا الإعلان عن التخارج الحاد وغير المسبوق (من حيث القيمة وعدد المشروعات والفترة الزمنية القصيرة نسبيا) من المشروعات الحكومية قد جاء على إثر الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي بدأت بنهاية فبراير من العام الحالي، ولسد الفجوة الدولارية الحادة المترتبة على ذلك عندما نزح ما يقارب 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية، وذلك على التوازي مع احتياجات تمويلية متفاقمة للحكومة المصرية، تتمثل في فواتير الواردات والتي تبلغ 7 مليار دولار على الأقل في المتوسط، وأقساط وفوائد القروض الأجنبية والمقدرة بما يقارب 40 مليار دولار بنهاية العام القادم Anchor[1]. بينما يرى آخرون أن هذه الوثيقة جزء من الاتفاق مع المؤسسات الدولية المختلفة للحصول علي القروض، حيث سبق الإعلان عنها تهيئة للبيئة التشريعية، كما يمكن أن يكون هذا التوجه لكلا السببين معا.

وأيا كانت الدوافع لمثل هذه السياسة، فإن هذا الحجم الضخم للمشروعات التي تنوي الدولة التخلص منه بالبيع، يدفع نحو دراسة وتحليل خلفيات وتفاصيل هذه السياسة، لاستبيان إمكانية تنفيذها على أرض الواقع، والآثار التي ستترتب على هذا التنفيذ، على الأوضاع الاقتصادية المستقبلية للبلاد.

أهداف الدراسة

تستهدف الدراسة بصورة عامة بيان أثر البيع المكثف لمشروعات الدولة على الواقع والمستقبل الاقتصادي لها، ويتفرع عن ذلك الهدف العام مجموعة من الأهداف الفرعية وهي:

  • استعراض سياسة ملكية الدولة وتقسيماتها المختلفة للمشروعات المزمع بيعها أو الإبقاء عليها كليا أو جزئيا.
  • استقراء الأطر التشريعية التي مهدت لهذه الوثيقة.
  • محاولة استنتاج الأسباب الدافعة لتبني الدولة لتلك السياسة، وعلاقة ذلك بالتسليم لوضع مقدرات الدولة تحت الحماية والوصاية الدولية.
  • بحث إمكانية تحقق مستهدفات الوثيقة ومستهدفات الدولة من هذه السياسة واقعيا.
  • محاولة توقع الأثر الاقتصادي لهذه السياسة على واقع ومستقبل الاقتصاد المصري.

ويمكن دراسة ذلك من خلال المباحث التالية، المبحث الأول: مضامين وثيقة سياسة ملكية الدولة، المبحث الثاني: البيئة القانونية لتنفيذ وثيقة سياسات ملكية الدولة، المبحث الثالث: قراءة تحليلية نقدية لوثيقة سياسة ملكية الدولة.

المبحث الأول: مضامين وثيقة سياسة ملكية الدولة

أعلنت وزارة التخطيط وثيقة “سياسة ملكية الدولة” Anchor[2] في أعقاب إعلان مجلس الوزراء عن نيته بيع أصول مصرية بقيمة 40 مليار دولار، كما أعلنت أن الوثيقة تعدُ خطوة رئيسية في إطار زيادة فرص مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، حيث تمثل رسالة اطمئنان للمستثمر المحلي، وعنصر جذب للاستثمار الأجنبي، كما تسهم في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية، بما يجعلها خطة متكاملة تستهدف تمكين القطاع الخاص وتنظيم تواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، وذلك استكمالا للإصلاحات الحكومية التي تتبناها الدولة المصرية.

وقبل استعراض عناصر تلك الوثيقة، تجدر الإشارة إلى أنه من المهم استعراض خطة الطروحات الحكومية (بإيجاز) والتي تبنتها الدولة منذ عدة سنوات، وذلك لبيان الاختلافات بينها وبين بنود هذه الوثيقة، وذلك كما يلي:

1- خطة الطروحات الحكومية

أعلنت الحكومة المصرية عن برنامج للطروحات الحكومية في البورصة عام 2018، وبدأ البرنامج كبيرا، حيث شمل خططا لطرح 24 شركة حكومية، منها 20 شركة جاهزة للطرح، من بينهم 16 شركة منهم تطرح لأول مرة و4 أخرى تكون عن طريق زيادة حصص متواجدة في السوق.

ورغم الرغبة المتعجلة في البيع والتي ظهرت بإعلان بيع شريحة من أسهم شركة الشرقية للدخان “إيسترن كومباني” تبلغ ما يعادل 4.5% من أسهم الشركة، إلا أنه سرعان ما أعلنت اللجنة العليا لإدارة برنامج الطروحات، تأجيل الطرح في البورصة، بسبب تقلبات الأسواق العالمية Anchor[3].

وأضاف البيان أن اللجنة العليا لإدارة برنامج الطروحات ترجع قرار الإرجاء أيضاً إلى أن سعر التداول الحالي لسهم الشرقية للدخان يقع خارج النطاق السعري الوارد بقرار المهندس رئيس مجلس الوزراء رقم 926 لسنة 2018 الخاص بإعادة تنظيم أحكام برنامج طرح أسهم الشركات المملوكة للدولة.

آلية تسعير أسهم الشركات المجهزة للطرح في البورصة

تنص المادة التاسعة من قرار رئيس مجلس الوزراء على أن “يتحدد سعر الطرح … بالنسبة لأسهم الشركات المقيدة نشطة التداول … في حدود 10% أكثر أو أقل من متوسط سعر الإقفال خلال الشهر السابق من تاريخ الإعلان عن تعيين بنوك الاستثمار المروجة لها”.

وفي مارس 2019، أصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بتعديل المادة التاسعة من قراره السابق، وقال القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية إنه يستبدل نص المادة التاسعة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 926 لسنة 2018 بالنص التالي Anchor[4]:

يتحدد سعر الطرح لأسهم الشركات غير المقيدة بالبورصة أو المقيدة وغير نشطة التداول في ضوء المدى السعري لدراسة القيم العادلة لهذه الأسهم، أما بالنسبة لأسهم الشركات المقيدة نشطة التداول فيكون تحديد المدى السعري لطرح هذه الأسهم في حدود 10% أكثر أو أقل من متوسط سعر الإقفال خلال الشهر السابق من تاريخ التعاقد مع بنوك الاستثمار المروجة لها، ويؤخذ في الاعتبار ما يسفر عنه الترويج للطرح ونتيجة الطرح الخاص أو العام للأسهم وفي ضوء نتيجة التغطية، ويصدر أمر البيع من السلطة المختصة في الجهة المالكة، إذا كان محل البيع أسهم الشركة قابضة، ومن رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة إذا كان محل البيع أسهماً في شركة تابعة لها، ومن السلطة المختصة في الجهة المالكة إذا كان محل البيع أسهماً في غير ذلك من الشركات، وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة قانوناً”.

وتعد آلية التسعير التي اعتمدها قرار رئيس الوزراء هي آلية التسعير الرسمية المعتمدة من الدولة، ولم يعلن عن غيرها حتى الآن، بما يعني أنها تسري كذلك على وثيقة الملكية التي استبدل بها برنامج الطروحات، كما أن السلطة المخولة بالبيع هي ذات السلطات الواردة في الحالات التي فصلها القرار، والذي لم يعدل حتى الآن، والذي يتكامل مع القوانين الصادرة لاحقا في بيان كيفية الطرح وأحكامه وشروطه.

فوائد برنامج الطروحات الحكومية المتوقعة من وجهة نظر الدولة

أعلنت الحكومة أنها ستحقق العديد من الفوائد جراء برنامج الطروحات، ومن بين هذه الفوائد ما يلي: تحسين أداء المحفظة الحكومية، خدمات أفضل للمستهلكين، قدرة على جذب استثمارات أجنبية، تخفيف عجز الموازنة،  تحسين معدلات الشفافية وتقليل الفساد، توزيع المخاطر، العدالة الاجتماعية وإحياء شعار الاقتصاد الوطني (حيث يعمق ملكية ولو سهم واحد الشعور بالمواطنة).

ورغم كل تلك الفوائد، إلا أنه قد توالى التأجيل للطرح العديد من المرات -رغم أنه كان أحد بنود اتفاقية القرض الأول مع صندوق النقد الدولي عام 2017-، تحت ذرائع مختلفة كان من أهمها استمرار انخفاض أسعار الأسهم في البورصة المصرية، وربما ذلك ما دفع الحكومة لتغيير آلية الطرح، فبدلا من الطرح العام، الذي يتداول عليه مجموع المستهلكين، أصبح البيع لمستثمر استراتيجي عن طريق البورصة، وهذه الطريقة لا تفيد عموم المستثمرين فى البورصة، حيث المفيد للسوق بشكل أكبر ولا شك هو قيد الشركات والطرح العام لمجموع المستثمرين، وهو الأمر الذي لا يحقق بعضا من تلك الفوائد التي سعت الحكومة لترويجها.

2- وثيقة تخارج الدولة من الأصول المملوكة لها

أعلنت الحكومة المصرية في مايو الماضي ما أطلقت عليه مسودة وثيقة ملكية الدولة، أفصحت من خلالها عن نيتها إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي على مدار أربع سنوات، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة من 30 بالمائة حاليا إلى 65 بالمائة خلال ثلاث سنوات.

كما أعلنت أن تخارج الدولة من القطاعات سيكون استناداً إلى عدد من المعايير والمحددات الرئيسية والتي بينها معايير المنظمات الدولية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، كما يستند تحديد التخارج إلى التجارب الدولية الرائدة والدروس المستفادة من الأزمات العالمية والتي أثرت على الدولة خلال السنوات السابقة.

والملاحظة الأولى المهمة حول هذا الإعلان هي الاستناد للمعايير الدولية للمنظمات الدولية، والإشارة تحديدا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويفيد ذلك بوضوح تبني الدولة المصرية لفلسفة الخصخصة ودور القطاع الخاص الرئيس في العملية التنموية، مقارنة بدور غائب للدولة تقريبا في هذه العملية، وستتطرق الدراسة لاحقا لإثبات هذا التبني وأثره على التنمية في مصر، وأثره كذلك على وضع مقدرات البلاد تحت الحماية والوصاية الدولية.

 أهم ملامح وثيقة سياسة ملكية الدولة

يمكن استعراض أهم ملامح وثيقة سياسة ملكية الدولة من خلال النقاط التالية:

أ- حجم الأصول

طبقا لخطة الحكومة، فإن الدولة انتهت من تقييم أصول بقيمة 9.1 مليار دولار وجار تقييم أصول بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار، بالإضافة إلى التزام الحكومة بتسييل أصول بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً لمدة 4 سنوات.

ب- ألوان الوثيقة

تعمل الحكومة على إصدار الوثيقة بثلاث ألوان بحسب وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، وسيعني اللون الأخضر تخارج كامل من الدولة في هذه القطاعات والأنشطة، ويعني اللون الأصفر تثبيت أو تخفيض حصة الدولة في هذه الأنشطة الاقتصادية، أما اللون الأحمر يعني استمرار أو زيادة الدولة لاستثماراتها في هذه القطاعات، نظراً لما تتسم به هذه القطاعات من أبعاد استراتيجية أو اجتماعية، بحسب الخطة الحكومية.

ج-أهداف وثيقة ملكية الدولة

ومن أهم أهداف الوثيقة رفع معدلات النمو الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص، وتركيز تدخل الدولة فى ضخ الاستثمارات والملكية فى أصول تعد عملاً أصيلاً للدولة، مثل البنية التحتية، والتعليم والصحة.

د- أنشطة تتخلص الدولة فيها من جميع استثماراتها

تضمنت مسودة وثيقة سياسة ملكية الدولة، تخلص الحكومة تماماً من جميع استثماراتها وملكياتها فى حوالي 79 نشاطاً فى القطاعات المختلفة، ومن هذه الأنشطة الاستزراع السمكي والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد- وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي- وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث، والجلود، والأسمدة والزجاج.

 ه- أنشطة تبقي الحكومة على بعض استثماراتها فيها أو تقلل منها

وكشفت الوثيقة إبقاء الحكومة على استثماراتها فى 45 نشاطاً، مع الاتجاه لتخفيضها والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، فى صناعة الأسمنت والحديد والألومنيوم واللحوم والطيور والأعلاف والألبان والسجائر والدخان ومحطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع ومحطات معالجة مياه الصرف.

و- أنشطة تبقي الدولة على استثماراتها فيها مع الاتجاه لزيادتها مستقبلاً

وتضمنت مسودة الوثيقة، إبقاء الدولة على استثماراتها فى 27 نشاطاً مع الاتجاه لزيادتها مستقبلاً، ويتعلق أغلبها بأنشطة البنية التحتية والقطاعات ذات الأبعاد الاستراتيجية والاجتماعية، منها التعليم والصحة، مع السماح أيضاً بمشاركة القطاع الخاص، وأنشطة تجارة الجملة ومحطات إنتاج مياه الشرب وشبكات توزيع المياه، وإنشاء الأرصفة، والبنية التحتية والنقل البحري والسكك الحديدية ومترو الأنفاق والنقل الجوي وصناعات السفن، وخدمات التليفون الأرضي، والاتصالات اللاسلكية، والبث الإذاعي، والتلفزيوني.

ز- تمكين القطاع الخاص

 كشفت مسودة وثيقة ملكية الدولي منهجية تحديد الأصول المملوكة للدولة، والتوجه نحو المزيد من تمكين القطاع الخاص، وحددت مسودة وثيقة ملكية الدولة، ثلاث توجهات لملكية الدولة وتواجدها فى النشاط الاقتصادي، على النحو التالي:

تخارج خلال 3 سنوات: من خلال تحديد قطاعات / أنشطة سيتم تخارج الدولة منها خلال الفترة القادمة، وتفصيلا تعتزم الدولة التخارج خلال 3 سنوات من قطاعات: الحبوب (ماعدا القمح)، والثروة السمكية، الثروة الحيوانية، المحاصيل البستانية، زراعة الغابات، إنشاء الموانئ البرية والجافة والنقل النهري، إنتاج مياه الشرب من محطات التحلية، أنشطة البرمجيات، واستشارات الحاسب، وأنشطة نشر وإنتاج برامج التلفزيون، أنشطة خدمات الإقامة والغذاء والمشروبات، أنشطة التشييد والبناء ماعدا الإسكان الاجتماعي دون المتوسط وأنشطة التشييد المتخصصة.

أما على مستوى الصناعات التحويلية فتعقد النية على تخارج الدولة خلال 3 سنوات من صناعات الجلود، منتجات الأخشاب، الأجهزة الكهربائية والمعدات والآلات والإلكترونيات، الصناعات الغذائية والمشروبات، المشغولات الذهبية والمسابك، صناعات الورق والأسمدة والزجاج وفحم الكوك، صناعات كبس القطن، والطباعة والملابس والمفروشات، صناعة وطباعة الكرتون، صناعة العطور والنباتات الطبية.

استمرار تواجد الدولة مع التثبيت أو التخفيض: من خلال تحديد قطاعات / أنشطة سيتم تثبيت أو تخفيض الاستثمارات َّ الحكومية الموجهة إليها، مع السماح بمشاركة القطاع الخاص فى بعض منها، وذلك في مجالات: تشغيل وصيانة الحاويات، تشغيل وإدارة وصيانة مترو الأنفاق، التعليم قبل الابتدائي، الألبان، الصرف الصحي وتدوير المخلفات، التعدين واستغلال المحاجر والمناجم، قطاع توليد الكهرباء وشبكات التوزيع والغاز وتكييف الهواء، الملكية العقارية، الوساطة المالية، خدمات الإنترنت والمحمول والبريد.

وكذلك الإبقاء مع تثبيت / تخفيض الاستثمارات الحكومية مع السماح بمشاركة القطاع الخاص في مجالات مثل: نشاط الطاقة الجديدة، صناعة اللحوم والطيور والأسماك، وصناعة الأعلاف، وصناعة السكر والحلوى، وصناعة السجائر والدخان، تشكيل المعادن كالحديد والنحاس، وصناعة الألومنيوم والنحاس، البطاريات، والفحم النباتي، وفحم الكوك، نشاط صناعة حلج ونسج القطن والصوف في الصناعات النسيجية، أنشطة تكرير البترول.

استمرار تواجد الدولة مع التثبيت أو الزيادة: من خلال تحديد قطاعات / أنشطة ستتواجد بها الدولة بشكل مستمر، ً وفقا لما تتسم به من أبعاد استراتيجية أو اجتماعية، مع السماح بمشاركة القطاع الخاص فى بعض الأنشطة بها، وذلك في مجالات: إنشاء الأرصفة والبنية التحتية لكل من النقل البحري، السكك الحديدية، ومترو الأنفاق، وإدارة وتشغيل وصيانة السكك الحديدية، والنقل الجوي، قطاع التعليم بدءا من مرحلة التعليم الابتدائي حتى مرحلة التعليم الثانوي العام والصناعي والزراعي والتجاري، إنتاج ورفع مياه الشرب، قناة السويس، قطاع الصحة، أنشطة العمل الاجتماعي، تجارة الجملة، الوساطة المالية والتأمين والمعاش، الاتصالات السلكية واللاسلكية، والنشر، والبث الإذاعي والتلفزيوني وأنشطة خدمة المعلومات.

وكذلك الإبقاء مع تثبيت / زيادة الاستثمارات الحكومية مع السماح بمشاركة القطاع الخاص في مجالات مثل: صناعة السفن والقوارب، وأشباه الموصلات، طباعة الأوفست، والطباعة الرقمية، وطباعة الصحف والمجلات، نشاط صناعة الأدوية في الصناعات الدوائية.

ومن خلال استعراض التفاصيل السابقة للوثيقة يمكن القول أنها من حيث عدد المشروعات المزمع بيعها، والفترة الزمنية القصيرة المتعلقة بذلك، جاءت لتعوض التأخر الذي شاب البرنامج الأول للطروحات، وذلك كشرط للحصول علي قروض جديدة، كما أن الدولة بإعلانها عن تلك التفاصيل قطعت جذريا الشك حول نواياها في تبني فلسفة الخصخصة، وأن برنامج الضبط المالي المطبق مع صندوق النقد سيتوازى مع برنامج للإصلاح الاقتصادي

وتجدر الإشارة إلى اقتران مراحل الإصلاح الاقتصادي بقروض الصندوق Anchor[5]، حيث تتحدث الوثيقة عن ثلاث مراحل للإصلاح الاقتصادي، المرحلة الأولى بين أعوام 2016- 2019، والمرحلة الثانية 2020-2021، تتوازى مع مراحل الاتفاقات الخاصة بقروض الصندوق، القرض الأول بقيمة 12 مليار جنيه على ثلاث سنوات من 2016- 2019، والقرضين التاليين لعامي 2019- 2021 بقيمة 8 مليار دولار، أما المرحلة الثالثة الحالية، فترتبط بطلب مصر قرض جديد، في أواخر مارس الحالي عام 2022، والذي تم إقراره على مستوى الخبراء في أكتوبر 2022 بقيمة 3 مليار دولار علاوة علي دراسة قرض أخر بمليار دولار من الصندوق تحت برنامج أخر، فضلا عن 5 مليارات أخرى من دول داعمة ومؤسسات دولية وإقليمية لم يتم إعلان أي شيء عنها.

وبالتأكيد فإن سياسة سداد القرض علي دفعات نصف سنوية توضح ربط السداد بالالتزام بالشروط سواء في مذكرة القرض أو في خطاب النوايا الذي تتعهد فيه الدولة المقترضة بتنفيذ تلك الإصلاحات، وأن لجان الصندوق للمتابعة  هي المراقب علي التنفيذ وبناء علي مدى الالتزام تقرر صرف الدفعة أو لا، فضلا عن مشاركة الجهات الأخرى الداعمة “في لعب دور حاسم” في هذه المتابعة، وهو ما يشكل انتقاصا من سيادة الدولة.

ومن الجدير بالذكر أن توصيات الصندوق على الدوام تدور في إطار السياسات النيوليبرالية التي تنطلق من توافق واشنطن لعام 1989، وهي سياسات تقشفية تحض على فتح الأسواق بدون قيود للسلع ورؤوس الأموال، وتخفيض الإنفاق الحكومي، وتخفيض سعر العملة، والخصخصة الواسعة لممتلكات الدولةAnchor[6].

المبحث الثاني: البيئة القانونية لتنفيذ وثيقة سياسات ملكية الدولة

أقدمت الدولة المصرية على تعديل بعض أحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، وذلك من خلال القانون رقم 185 لسنة 2020، ويمكن استعراض أهم ما ترتب على هذين القانونين، وذلك كما يلي:

القانون رقم 203 لسنة 1991 Anchor[7]

يعد القانون رقم 203 لسنة 1991 السند القانوني الرئيس في تحويل القطاع العام إلى قطاع الأعمال العام، حيث ترتب على مواده إنشاء الشخصية القانونية للشركات القابضة والتى استبدلت بها مؤسسات إدارة القطاع العام، ونهاية وظيفة الدولة في إدارة القطاع كوحدة واحدة تنفذ سياسة إنتاجية متكاملة، وذلك بإحالة سلطات واسعة من وظائف الدولة الإدارية إلى الشركة القابضة، وأكثر منها إلى الشركات التابعة لإدارتها كشركات منفردة مثل القطاع الخاص.

 كما أعطى القانون للشركة القابضة كل صلاحيات الإدارة والملكية على تلك الشركات والتي تتضمن صلاحيات، عرضها في البورصة، وبيعها لمستثمر رئيسي، والمشاركة مع آخرين ببيع نسبة منها، وكل ما يخص التصرف في محافظها المالية.

القانون 185 لسنة 2020 والمخصص لتعديل بعض أحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام Anchor[8].

قدم هذا القانون العديد من التسهيلات لتسريع وتيرة عملية الخصخصة، ويمكن توضيح هذه التسهيلات بصورة موجزة (مع الإشارة فقط لمواد القانون التي قدمتها) وذلك كما يلي:

  • (المادة 3): تقدم تسهيل تصفية الشركات وخصخصتها، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص (المساهمين) في إدارتها، وإيكال سلطات البيع والخصخصة إلى ممثلي السلطة التنفيذية وحدها.
  • (المادة 9) يعطي القانون كامل سلطة التصرف لما يسمى الجمعية العمومية للشركة القابضة، وهي على عكس ما يوحي به الاسم، مجرد كيان إداري محدود تعينه السلطة التنفيذية.
  • (المادة 30 و30 مكرر) يعطي القانون الحق للشركة القابضة والشركة التابعة في إنشاء شركات جديدة، ومن المعروف أن ذلك يستخدم كشكل من أشكال الخصخصة بإنشاء شركات مع شركاء آخرين. بل وتعطي لرئيس مجلس الوزراء بموافقة مجلس الوزراء الحق في نقل ملكية أسهم أي من الشركات التابعة المملوكة أسهمها بالكامل لإحدى الشركات القابضة إلى أي من الأشخاص الاعتبارية العامة أو إلى صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، على أن تخضع الشركة الجديدة لأحكام القانون 159 لسنة 1981، وهو قانون الشركات المساهمة الذي ييسر طرح الشركات في البورصة وبيعها وخصخصتها بمجرد قرار إداري دون رقابة.
    (المادة 35 مكرر) يلزم القانون الشركات القابضة والتابعة بنشر تقارير نصف سنوية وتقرير مجلس الإدارة وقرارات مجلس الإدارة والبيانات والمعلومات التي تحددها اللائحة التنفيذية، إعمالا لأسس الإفصاح وقواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة، وكلها بالطبع ضرورية لإتاحة البيانات لكل الراغبين في الشراء.
    (المادة 38 و 39 مكرر) تنص على أنه “إذا ترتب على طرح أسهم الشركة في البورصة وصول نسبة المساهمين بخلاف الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة والبنوك إلى 25% يتم نقل تبعية الشركة لأحكام القانون 159 لسنة 1981”. بل وتتحول التصفية أو خصخصة الشركات الخاسرة إلى شبه واجب حتمي.

يلاحظ من مضامين مواد القانون السابق عرضها إيكال كامل سلطة البيع للسلطة التنفيذية، وأضحت الجمعية العمومية جهة شكلية إلى حد بعيد، حيث يحق للسلطة التنفيذية نقل ملكية أسهم أي شركة تابعة إلى الصندوق السيادي أو إلى أي شخصية اعتبارية، دون الرجوع للشركة القابضة، وذلك يعني باختصار أن السلطة التنفيذية المالك الأوحد لسلطة خصخصة الشركات.

وكذلك فان المواد القانونية السابقة توسعت في نقل تبعية الشركات المستحدثة إلى الخضوع لقوانين تسمح لها بالخصخصة مباشرة، علاوة على تصفية الشركات الخاسرة، بخلاف إلزام الشركات بنشر التقارير المختلفة والإفصاح، وكلها مواد قانونية تؤكد علي عزم الدولة المؤكد على الخصخصة، الأمر الذي يؤكد أنها لم تكن توجها لحل الأزمة الحالية بقدر ما كانت أساسا متفقا عليه مع المؤسسات الدولية، تأخرت الدولة في تنفيذه وحاولت تعويض التأخير من خلال وثيقة سياسة الملكية.

قانون إنشاء صندوق مصر السيادي

يعد الصندوق السيادي الممر الآمن للأصول المصرية نحو الخصخصة، وقد أنشئ الصندوق بالقانون رقم 177 لسنة 2018 المعدل بالقانون 197 لسنة 2020، والذي ينص على أن الصندوق يعمل على جذب الاستثمار، وتعزيز نهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبالذات للاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.

ورغم أن القانون الأول لتأسيس الصندوق قد تم عام 2018، إلا أن صلاحياته توسعت بصورة كبيرة من خلال التعديلات التي وردت في القانون 197 لسنة 2020Anchor[9].

ويمكن استعراض أهم مآلات مواد القانون وذلك كما يلي:

  • (المادة 3) يدير الصندوق أمواله وأصوله أو أموال وأصول الجهات والكيانات والشركات المملوكة للدولة أو التابعة لها أو التي تساهم فيها التي يعهد إلى الصندوق بإدارتها وفقا للضوابط المنصوص عليها في النظام الأساسي، وللصندوق في سبيل ذلك التعاون والمشاركة مع الصناديق العربية والأجنبية النظيرة والمؤسسات المالية المختلفة.
  • (المادة 6) يعطي القانون للسلطة التنفيذية كامل الصلاحيات لخصخصة أصول الدولة دون الرجوع للمجلس التشريعي، فلرئيس الجمهورية، بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الجهات التابعة لها إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل. وبالنسبة للأصول المستغلة، فيكون العرض من رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص بالاتفاق مع وزير المالية وبالتنسيق مع الوزير المعني.
  • (المادة 6 مكرر) يكون الطعن في قرار رئيس الجمهورية بنقل ملكية الأصول أو الإجراءات التي اتخذت بناء على هذا القرار من الجهة المالكة للأصل أو الصندوق المنقول له الملكية دون غيرهما.

(المادة 8) حددت أشكال التصرف في الأصول وهي ” البيع، أو التأجير المنتهي بالتملك، أو الترخيص بالانتفاع، كما أجازت للصندوق استغلال كل أشكال تخارج الدولة، والتزاوج مع القطاع الخاص مثل: الطرح في البورصة، أو البيع لمستثمر رئيسي، أو المشاركة بين القطاع العام والقطاع الخاص PPP، عقود الامتياز (تشغيل أصول الدولة لفترة تعود بعدها الأصول للدولة)، عقود التشييد والتشغيل ونقل الملكية  BOT، و عقود التشييد والملكية والتشغيل ونقل الملكية BOOT وعقود التشييد والامتلاك والتشغيل (أي مع احتفاظ القطاع الخاص بالملكية) BOO.

( المادة 13) للصندوق تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بمشاركة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية النظيرة والمصارف والمؤسسات المالية والشركات المصرية والأجنبية، وللصندوق أن يعهد بإدارة الصناديق الفرعية التي يؤسسها بمفرده أو يساهم فيها إلى الشركات والمؤسسات المتخصصة في هذا المجال

(المادة 14) تمحو صفة القطاع العام أو الحكومي وتحول الكيانات التي يؤسسها إلى القطاع الخاص أيا كانت نسبة مساهمة الدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام فيها، ولا يتقيد أي منها بالقواعد والنظم الحكومية.

(المواد 15، و18، و19) توضح التبعية الكاملة للسلطة التنفيذية، والبعد الكامل عن الخضوع لمساءلة البرلمان والإعفاء الكامل من جميع الضرائب والرسوم وما في حكمهما، ولا تسري هذه الإعفاءات على توزيعات الأرباح.

وبعد استعراض المواد السابقة لقانوني الصندوق السيادي، يمكن القول بأنه جهة تابعة بصورة كاملة للسلطة التنفيذية، أنشأت في الأساس لتسريع وتيرة الخصخصة والابتعاد بها عن دوائر المراجعة والمسائلة حيث لا يراقب على أنشطتها أية جهة رقابية، بالإضافة إلى السماح له بانشاء صناديق فرعية تجعل تتبع مسار الأصل الحكومي شبه مستحيل.

الوثيقة الاسترشادية “المبادئ التوجيهية بشأن حوكمة الشركات المملوكة للدولة” الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

ذكرت الحكومة في نص وثيقة سياسات ملكية الدولة أن تخارج الدولة من القطاعات سيكون استناداً إلى عدد من المعايير والمحددات الرئيسية والتي بينها معايير المنظمات الدولية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، ولعل ذلك يثير التساؤل لماذا ذكرت معايير هذه المنظمة بالتحديد.

وبداية فهذه المعايير المشار إليها وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2005 وتم تحديثها عام 2015، وتم تغيير اسم هذه المبادئ لتصبح “مبادئ مجموعة العشرين ‪ /منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن ‫حوكمة الشركات”، وعلى أساسها تتعاون المنظمة اقتصاديا مع مختلف البلدان Anchor[10].

 وتهدف الوثيقة إلى جعل الدولة مالكا محترفا، مع الالتزام بالكفاءة والشفافية والمساءلة، وتحقيق المنافسة العادلة بين الدولة والقطاع الخاص.

وتقر الوثيقة مبادئ توجيهية في سبعة جوانب: مبررات ملكية الدولة، دور الدولة كمالك، التزام شركات الدولة بقوانين السوق، المعاملة المتكافئة للمساهمين والمستثمرين الآخرين، العلاقات مع أصحاب المصالح وممارسة الأعمال، الالتزام بالإفصاح والشفافية، مسئوليات مجالس إدارات شركات الدولة.

وتتعهد الدولة بالحياد التنافسي والبيئة التشريعية المواتية للنشاط الاقتصادي، وبالمساواة بين شركات الدولة والشركات الخاصة في مجالات: الحياد الضريبي، الحياد في المديونيات، الحياد التنظيمي التشريعي.

ووفقا للالتزام بتلك الوثيقة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، تتعهد وثيقة ملكية الدولة بالالتزام بالآتي Anchor[11]:

  • إصدار جدول سنوي للطروحات للأصول التي سيتم خصخصتها
  • تحديد المشروعات المشتركة بين القطاع العام والخاص التي سيتم تنفيذها سنويا
  • تحديد المشروعات المشتركة بين الصندوق السيادي والقطاع الخاص
  • المراجعة الدورية لتحديد ما إذا كانت ملكية الشركات المملوكة للدولة ما زالت ضرورية.

توضح الأهداف الرئيسية لوثيقة المعايير السابق الإشارة إليها أن الإدارة المصرية أجبرتها الحاجة إلى الاقتراض ليس فقط بالالتزام بروشتة صندوق النقد الدولي، ولكن أيضا أجبرتها علي اعتماد معايير منظمات دولية أخرى تؤسس لأهداف وواقع ما بعد الخصخصة، وربما يشرح ذلك بجلاء النص الذي ورد في بيان صندوق النقد الدولي الأخير الوارد مع القرض الجديد لمصر والذي ينص على: “سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دوراً حاسماً في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها:.

ذكرت الوثيقة المصرية الاعتماد على وثيقة المنظمة الدولية ومعاييرها، وأشار بيان الصندوق للعب الشركاء الدوليون والإقليميون دورا حاسما في تنفيذ السياسات يقتضي الاستنتاج الصريح بأن مصر باتت تحت الوصاية الدولية والإقليمية.

عموما ومن كل ما سبق يمكن القول أن وثيقة مليكة الدولة اعتمدت على ثلاثة أسس قانونية وهي القانون رقم 203 لسنة 1991 والذي تمت الموجة الولي من الخصخصة بناء علي أحكامه، والقانون 185 لسنة 2020 والمخصص لتعديل بعض أحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام، وقانون إنشاء الصندوق السيادي رقم 177 لسنة 2018 المعدل بالقانون 197 لسنة 2020، هذا بالإضافة إلى الوثيقة الاسترشادية “المبادئ التوجيهية بشأن حوكمة الشركات المملوكة للدولة” الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وقد مهّدت نصوص هذه القوانين الأرض لبداية جولة جديدة شديدة الاتساع من الخصخصة، ستفقد الدولة حال كتب لها التطبيق معظم مقدراتها الاقتصادية الرئيسية التي بنيت خلال القرن الماضي، والأهم من ذلك أنها ستفقد العماد الرئيس الذي كان من الممكن الاستناد إليه لبداية عملية تنموية شاملة في أقصر الفترات الزمنية الممكنة، وكل ذلك في إطار “الدور الحاسم” في الرقابة على كل هذه العمليات.

المبحث الثالث: قراءة تحليلية نقدية لوثيقة سياسة ملكية الدولة

تحاول الإدارة المصرية الترويج لوثيقة سياسة ملكية الدولة باعتبارها إصلاحا للمناخ الاقتصادي والاستثماري في مصر وذلك عبر تبادل الأدوار بين الدور الاقتصادي الرئيسي الذي تقوم به الدولة ممثلة في القطاع العام وقطاع الأعمال العام والمؤسسات التابعة للجيش والمؤسسات الأمنية من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى.

 وفي هذا الإطار أعلنت الدولة عن مجموعة من الأهداف الرئيسية التي ستتحقق عبر تنفيذ الوثيقة، ونحاول من خلال المبحث الحالي استعراض تلك الأهداف وتحليلها بغية التوصل لإمكانية تحققها واقعيا في ظل الأطر القانونية التي خلقتها الدولة، والبيئة الحاضنة لمناخ الأعمال والاستثمار في مصر.

أولا: أهداف وثيقة سياسة مليكة الدولة

طبقا للمعلن من الحكومة المصرية فان وثيقة سياسية ملكية الدولة تعد استكمالاً للإصلاحات التي تتبناها الدولة في إطار تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وخلق البيئة الاقتصادية الداعمة والجاذبة للاستثمارات، وذلك لوضع الأسس والمرتكزات الرئيسية لتواجد الدولة في النشاط الاقتصادي، وسياسة الملكية التي تتبعها والمنطق من ورائها، وذلك كمرحلة أولى من مراحل تحديد سياسة ملكية الدولة المصرية للأصول المملوكة لها، بما يساهم في التنفيذ الأمثل لسياسة ملكية الدولة للأصول في المراحل اللاحقة، وتستهدف الوثيقة ما يلي Anchor[12]:

 1- رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى مستويات محققة لطموحات المصريين عن طريق رفع معدل الاستثمار إلى ما يتراوح بين 25-30% بما يساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي إلى ما بين 7-9% لتوفير فرص عمل وخفض معدلات البطالة.

2- تمكين القطاع الخاص المصري، وتوفير فرص متنوعة لتواجد القطاع الخاص في كافة الأنشطة الاقتصادية، بما يساعد على رفع نسبة مساهمته الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات المنفذة، والتشغيل والصادرات، والإيرادات الحكومية.

3- تركيز تدخل الدولة لضخ الاستثمارات وملكية الأصول في قطاعات رئيسية يعد عملاً أصيلاً للدولة بما يشمل القطاعات التي يعزف القطاع الخاص عن الدخول فيها، في حين ينعكس تطوير تلك القطاعات بشكل مباشر في تحسين بيئة العمل للقطاع الخاص.

4- حوكمة تواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية، حيث تستهدف الحكومة التواجد في القطاعات الاقتصادية وفقاً لمعايير محددة، وأن يتم التحول من إدارة مؤسسات الدولة إلى إدارة رأس مال الدولة، وذلك من خلال تحديد آليات تخارج الدولة من الأصول المملوكة لها سواء من الإدارة أو الملكية.

5- تحقيق وفورات مالية تمكن من إصلاح أوضاع الموازنة العامة، وتحقيق الانضباط المالي، وضمان الاستدامة المالية، وتعزيز قدرة الدولة المالية على دعم شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الهشة، وزيادة مستويات قدرة صمود الاقتصاد المصري أمام الأزمات.

ثانيا: قراءة تحليلية لأهداف الوثيقة

تشير القراءة المتأنية لأهداف الوثيقة إلى عدة نقاط يمكن أن تساهم مبدئيا في توضيح صورة المخاطر العامة المترتبة على تحقق أهداف الوثيقة، ومن بينها ما يلي:

  • استخدمت وثيقة ملكية الدولة مصطلح التخارج بدلا من مصطلح الخصخصة، ربما لتجنب رد الفعل العام السلبي، الذي يستدعي دائما الصورة السلبية لسياسات الخصخصة فى التسعينيات، وربما يمثل ذلك اعترافاً ضمنياً من الحكومة المصرية بسلبيات تلك الفترة وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية السلبية على عملية التنمية الاقتصادية، ولكنه وللأسف لم تشر بنود الوثيقة – كما سيأتي في النقاط التالية- إلى عزمها على تفادي الوقوع في نفس الأخطاء.
  • الخصخصة “استثمارات زائفة” لا تنشئ أصلا استثماريا جديدا، ولكنها فقط تستحوذ على أصل استثماري قائم فعلا، ما يعني أنها لم تضف شيئا لأصول الاقتصاد القومي، ولم تساهم في خلق فرص عمل جديدة (بل العكس في الكثير من الأحيان لما يواكب عمليات الخصخصة من تقليل العمالة الأصلية).
  • الخصخصة تدفق مالي مؤقت للحكومة التي تدير الأصول العامة نيابة عن الشعب بما يساهم في سداد أقساط وفوائد القروض ومواجهة الفجوة التمويلية من جهة، ولكنه من الجهة الأخرى فإن الدولة ستفقد تدفق مالي دائم وهو أرباح الأصل المزمع بيعه.
  • الخصخصة تقطع الطريق على استثمارات محتملة، كان من الممكن أن تضخ في الشرايين الاقتصادية، وما يزيد الأمر سوءا انعدام أية اشتراطات على المشتري، سواء من جهة استمرار النشاط أو التوسع فيه بضخ استثمارات جديدة، أو الحفاظ على العمالة وتطوير قدراتها تدريبيا وزيادة أعدادها. وكل ما سبق يؤكد أن استهداف الوثيقة لرفع معدل الاستثمار بما يسهم فى زيادة معدل النمو إلى ما بين ٧% إلى ٩%، وتوفير فرص عمل كفيلة بخفض معدلات البطالة كلها مستهدفات يكون تحقيقها محل شك إلى حد كبير.
  • تواجه برامج الخصخصة معضلة” ثلاثية الازدهار” التى تتمثل فى تحقيق أعلى توافق ممكن بين الكفاءة والعدالة والتقدم، وكلما اتسمت السياسات الاقتصادية المطبقة باستيفاء تلك الثلاثية انعكس ذلك على مدى نجاحها فى تحقيق نمو اقتصادي احتوائي، وهو ذلك النمو الاقتصادي الذي يتضمن فى محتوياته ليس فقط تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، ولكن أيضا ذلك النمو الذي ينعكس بالضرورة على خفض معدلات الفقر وعدالة توزيع العوائد Anchor[13]، وهو الأمر الذي تجاهلته الوثيقة بصورة تامة.
  • أما عن إشارة الوثيقة عن الالتزام دستوريا بزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، فمن المنطقي أن تثور الشكوك حول تلك الالتزامات لا سيما في ظل عدم التزام الدولة بها طيلة السنوات السابقة بداية من عام 2014، وكذلك لأن انسحاب الدولة الحاد من النشاط الاقتصادي الذي تبشر به الوثيقة سيحجم ولا شك من حجم الإيرادات العامة والنسبة التي ستخصص منها لتلك المجالات.
  • حل معوقات الاستثمار هي مسألة أكبر من الوثيقة ولا يجب أن تٌحمل عليها، والنظر للوثيقة كونها ستحل مشاكل الاقتصاد والاستثمار في مصر فيه مبالغة واضحة، لا سيما أن تراكم مشاكل الاستثمار عبر عدة عقود سابقة ثم تعقدها في العقد الأخير تتطلب الكثير من العمل على العديد من المستويات، الأمر الذي لا يزال مفتقدا حتى مع وجود الوثيقة Anchor[14].
  • مناخ الاستثمار قضية أكبر بكثير مما تتضمنه الوثيقة، وصياغة الوثيقة توحي باختزال دورها في تخارج الدولة من الأصول، فالقضية ليست حجم استثمارات الدولة، ولكنها ببساطة” قواعد اللعبة”، والذي يعبر عنها بالمناخ الاستثماري العام، وأهملت الوثيقة وضع تلك القواعد، الأمر الذي يبقي على تخوفات وتشكك القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
  • في ظل الأطر القانونية الحاكمة لعمل الوثيقة بداية من اختيار الشركات وطريقة الطرح والتسعير ونقل الملكية، فكلها أطر تفتقد للشفافية والإفصاح، وهو الأمر الذي يتعارض كليا مع استهداف الوثيقة لحوكمة تواجد الدولة في الأنشطة الاقتصادية، وكذلك مع انضباط العلاقات بين القطاع العام والقطاع الخاص.
  • تخاطب الوثيقة الشركات الكبرى المحلية والدولية، في ظل مستهدف بيعي ضخم لأصول بقيمة 40 مليار دولار على مدار أربع سنوات فقط، ولكن الملاحظ أن الصناديق السيادية العربية هي المستجيب الرئيس للشراء حتى الآن، ومن دول عربية ثلاثة فقط هي الإمارات والسعودية وقطر، وبأرقام متواضعة حتى الآن. وحتى بفرض دخول بعض القطاع الخاص لهذه الدول بحصص معتبرة في الشراء، فان مخاطر التركز المكثف لقرارات إدارة أصول بهذه الضخامة في أيدي عدد محدود من الدول ولا شك يعد تهديدا للسيادة الاقتصادية.    

ثالثا: غياب الرقابة والشفافية

حتى تصبح وثيقة تخارج الدولة من العديد من الأنشطة الاقتصادية بمثابة انطلاقة حقيقية للاقتصاد المصرى يجب مواجهتها لمعضلة ثلاثية الازدهار السابق الإشارة إليها، وألا تكون مجرد أداة تمويلية مرحلية لسد عجز الموازنة وتمويل المستحقات المالية الدولية، ولذلك لابد أن تعتمد فى تأسيسها على ثلاثة مبادئ تميزها، وهي، الواقعية، والمصداقية، والشفافية Anchor[15].

وأوضحت النقاط السابقة بعضا من المخاطر التي تجعل واقعية الوثيقة محل تساؤلات كثيرة، ويتبقى السؤال شديد الأهمية لتحقيق لأهداف الوثيقة وهو، من الذي يراقب إدارة أصول الدولة؟
من الواضح أن عملية التخارج من الأصول سيتولاها الصندوق السيادي، والأصول الباقية سوف تظل تحت إدارة مؤسسات الدولة، أى إن المسئولية عن كل هذه الأصول سوف تقع تحت عاتق هؤلاء الخبراء الفنيين الذين تعينهم الدولة لإدارة هذه المؤسسات دونما توافر أية مساحة للرقابة والشفافية على أعمالهم Anchor[16]، وبالتالي تغدوا مساءلتهم أمرا بعيد المنال.

حصن قانون الصندوق السيادي وتعديلاته أعمال الصندوق من الرقابة كليا، وعمليا فان الجواز القانوني بانشاء صناديق فرعية له تجعل الرقابة على دوائر عملة أمرا شديد الصعوبة، وكلها أمور تعرض الصندوق بسببها للعديد من الانتقادات الحادة رغم محدودية أعماله السابقة مقارنة بالدور الضخم المنوط به في الوثيقة.

ورغم تأكيد الوثيقة على اعتبارها لمعايير المنظمات الدولية المتعلقة بالشفافية والإفصاح فان الواقع الحالي للجهات القائمة على تنفيذ الوثيقة يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك أن الرقابة والشفافية على برنامج الخصخصة وبمراحلها المختلفة المقبل مغيبة كليا بفعل حكومي متعمد.

يزداد الأمر سوءا عند الأخذ في الاعتبار التغول الأمني الحاد على مجتمع الأعمال الحكومي والجهات الرقابية عليه، فالأجهزة التى تقوم بالمساءلة في مصر تحت الوصاية الأمنية، فلا أحد يعرف على وجه التحديد أين توجه تقاريرها إن وجدت، ومن غير المسموح بالمطلق نشرها، وتكفي الإشارة هنا لسجن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق في أعقاب تصريحاته عن حجم الفساد، التي ذكرت أرقاما قد تقل كثيرا عن الواقع الحقيقي، للتدليل على أن حديث الوثيقة حول الشفافية والإفصاح لا يعدو كونه كلاما للاستهلاك العام.

الوثيقة تتضمن كذلك العديد من النقاط التى تضع شفافية تنفيذها والرقابة عليها وربما واتساق أهدافها على المحك إلى حد كبير، ومن بين أهم تلك النقاط Anchor[17]:

  • عدم شفافية تعريف مصطلح «ملكية الدولة»، مثلا هل الملكيات المنتمية إلى قطاعات بنكية وقطاعات المؤسسات الشرطية والجيش تقع تحت تلك المظلة؟
  • عدم شفافية تحديد نسب مساهمة الدولة الحالية فى كل قطاع، وبشكل تفصيلي، لتوضيح معدل التخارج من القطاع والنسب المستهدفة من دخول القطاع الخاص فيه.
  • لا توجد آلية محددة توضح ولو تقريبيا مدى انعكاس زيادة معدل النمو الاقتصادي والاستثمار المحلي والأجنبي على معدلات الفقر والبطالة.
  • تجاهل الوثيقة للبنوك، والتي تعد أهم مصادر تمويل العجز المزمن في الموازنة العامة وتعول عليها كذلك فى تعبئة الاستثمارات المحلية وتمويل نسبة من الإنفاق الاستهلاكي، وعلى الرغم من بقاء ثلاثة بنوك فقط مملوكة بالكامل للدولة إلا أنه جرى الحديث مرارا عن بيع بنك القاهرة، وكذلك عن بيع بنوك صغيرة أخرى.
  • وعموما لم تُشر الوثيقة ولو تلميحا عن موقفها من خصخصة ما تبقى من تلك البنوك وذلك على الرغم من الأهمية الكبيرة للقطاع المصرفي ككل في المراحل الأولى على الأقل من عملية التنمية.
  • وتجدر الإشارة هنا إلى الدور التنموي الكبير الذي قامت به البنوك وشركات التأمين العامة في دول شرق آسيا، حيث تتحمل الدولة فيها عبء مديونية الشركات الكبرى تجاه البنوك العامة حفاظا على مستويات تشغيل عالية.
  • تجاهل الحديث عن أراضي الدولة وملكيتها وكيفية التصرف فيها، لا سيما أن الأرض الفضاء أصبحت مؤخرا بابا سحريا للإيرادات خارج الموازنة العامة، وذلك للجهات المسيطرة عليها.

ومن الجدير بالذكر أن هناك فارقا كبيرا بين أن تكون هذه الأراضي الفضاء والتى تشمل الصحراء والسواحل وشواطئ النيل ملكا للدولة التى تنوب عن الشعب، أو أن تكون ملكا لبعض أجهزة الدولة تتصرف فيها كما تشاء. وضع أراضي الدولة قضية هامة كانت تقتضي تناولها فى وثيقة سياسة ملكية الدولة، مع تحديد الخطوط الفاصلة بين ملكية الدولة وملكية أجهزة الدولة، وتعيين السلطة المنتخبة انتخابا حرا ومفتوحا والمسئولة عن الرقابة على استخدامها Anchor[18].

عموما يمكن القول أن الوثيقة تجاهلت بعض  النقاط شديدة الحيوية علي مستقبل التنمية في مصر وتشابكها مع الجهات أصحاب المصالح، بالإضافة إلى تضمنها لبعض المصطلحات المطاطة القابلة للتأويل اتساعا وتضييقا، بما يقوض كثيراً إمكانية مراجعة قرارات الدولة فضلا عن مراقبة تنفيذها.

أما عن إعلان الدولة عن الاسترشاد بالمبادئ التوجيهية بشأن حوكمة الشركات المملوكة للدولة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وذلك فيما يتعلق بالأصول المملوكة للدولة التى سيتم الإبقاء عليها، واعتبارها أن هذا الاسترشاد ضامن لعمل تلك الشركات بطريقة فعالة، وشفافة، وقابلة للمساءلة، الأمر الذي يضمن المعاملة المتكافئة والمنافسة العادلة، فهو طبقا للمصطلح المستخدم لا يعدو كونه استرشادا لا توجد ضمانات حقيقية على تنفيذه، لا سيما في ظل استمرار سريان القوانين التي تقدم إعفاءات ضريبية وجمركية لبعض الجهات السيادية بما يقوض أمر ذلك الاسترشاد بالكلية، والذي من المرجح أنه جاء في إطار طمأنة الصناديق العربية الراغبة في شراء تلك الأصول.

وعموما فمن المؤكد أنه حال كتب لموجة الخصخصة الحالية النجاح فانه لن يتبقى في حوزة الدولة الكثير من الأصول والتي من الممكن أن تشكل تهديدا للمشترين العرب حال بقاء تلك المميزات على حالها، كما أنه من المؤكد كذلك أن هؤلاء العرب سيشترون لاحقا تلك البقية) القليلة) في إطار موجة خصخصة مؤكدة لاحقة في ظل اللهث وراء سداد الأقساط والفوائد الناجمة عن النهج الاقتصادي العشوائي المتعجرف والتفاخري للإدارة المصرية.

رابعا: النيوليبرالية ومستقبل التنمية في مصر

تشير القراءة العامة لبنود وثيقة سياسة ملكية الدولة – وحتى للممارسات الحكومية الحالية- إلى انحسار السياسات الاقتصادية التي سوف تتبناها الدولة داخل الحدود الفنية الضيقة، والتي لا تتجاوز إدارة السياسات المالية لخفض العجز المزمن، وإدارة السياسة النقدية والعمل علي استقرار سعر الصرف وخفض معدل التضخم والعمل على استقراره، والعمل كذلك على استعادة النمو الاقتصادي عن طريق جذب رؤوس الأموال الأجنبية في المقام الأول والاستثمار المحلي في المقام الثاني.

ببساطة، فإن هذا النموذج النيو ليبرالي الموروث من العقد الأخير قبل ثورة يناير يرتكز على رفع مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الكلية، واعتبار النجاح في تحقيقها خطوات مهمة في طريق التنمية الشاملة، وهو الأمر الذي ثبت خطأه في التجربة المصرية، حيث إنه في نفس العقد وعلي الرغم من معدلات النمو المرتفعة، والنجاح في جذب الاستثمارات الأجنبية، ومعدلات التضخم المحدودة، والثبات النسبي لسعر الصرف، وتحسن أرقام الصادرات، إلا أنه شهد بالتوازي تعميق اللامساواة وغياب العدالة الاجتماعية، وزيادة عدد الفقراء.

ولمن ينظر إلى النموذج الاقتصادي المصري في العقدين الماضيين خاصة في المرحلة التالية على تبني الإصلاحات النيوليبرالية في مطلع التسعينيات وما تماشى معها من إجراءات لإصلاح السياسات المالية والنقدية وتحرير التجارة وحركة رأس المال والحد من دور الدولة الاقتصادي لصالح تنمية القطاع الخاص يتبين له أن معدلات الاستثمار الكلية (مقاسة بإجمالي التكوين الرأسمالي كنسبة من الناتج المحلي) قد تميزت بالتواضع الشديد، فقد كان متوسط النسبة في مصر بين 1989 و2012 هو 19.16% فحسب من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 41.74% للصين و31.21% لفيتنام و29.89% للهند و28.72% لتايلاند و26.58% لإندونيسيا في ذات الفترة طبقا لبيانات البنك الدوليAnchor[19].

وتجدر الإشارة إلى أنه في هذه الفترة كان السبب الرئيس لتراجع الاستثمارات الكلية هو تراجع الاستثمارات الحكومية كنتيجة لتفاقم عجز الموازنة واشتراطات المؤسسات الدولية، وفي نفس الوقت لم تستطع استثمارات القطاع الخاص تعويض غياب دور الدولة الاستثماري، وذلك للعديد من الأسباب تأتي في مقدمتها آثار مزاحمة الحكومة له على المدخرات المصرفية، الأمر الذي قوض عملية التنمية الاقتصادية الحقيقية وأبقي عليها شكلية إلى حد كبير.

وتشير تجربة التنمية في دول شرق آسيا (كوريا الجنوبية – هونج كونج- سنغافورة – تايلاند- ماليزيا – أندونيسيا – الفلبين) إلى الدور الكبير الذي قامت به الدولة في المراحل الأولى للتنمية فقد كانت اقتصادات هذه الدول تمزج يبن التدخل الحكومي وسياسات السوق من اجل الاستخدام الأفضل والأكفأ للموارد الاقتصادية، وبهذا تكون تجربة بلدان جنوب شرق أسيا قد حسمت الخلاف صراحة لصالح تدخل الدولة، والتنسيق بين دور الدولة ودور السوق بحيث لا يتعارضان وإنما يكمل بعضهما البعض Anchor[20].

وتجدر الإشارة هنا إلى التجربة الماليزية والتي نجحت بشكل كبير بعد العودة نحو تدخل الدولة، واعترافها بأن الخيار المتبع سابقا (عدم التدخل في التنمية الصناعية، والتدخلات الانتقائية في الزراعة والتنمية الريفية) تسبب في الابتعاد عن المساواة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، ورغم التحديات الداخلية الكبيرة إلا أن امتلاك الدولة لقطاع عام كفؤ ساعدها علي تحقيق نجاحات تنموية ملحوظة Anchor[21].

كما كان تدخل الدولة في بداية صعود كوريا الجنوبية حاسما، فمنذ وصول الجنرال “بارك شونغ هي” للسلطة فى عام 1961م، بدأت مرحلة تنموية جديدة (يعزي إليها النجاح الاقتصادي) استبدل بها استراتيجية التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات باستراتيجية أخرى وهي التصنيع من أجل التصدير، اعتمادا على تطبيق نموذج الدولة التنموية من خلال الاعتماد على أسلوب التخطيط المركزي، حيث قام بتدشين ما عُرف “بالمخطط الخماسي” عام 1962م Anchor[22].

وفي أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد تدمير المصانع والهياكل الإنتاجية الرئيسية، استلزمت عملية التنمية تدخلا مكثفا من الدولة، حيث تدخلت الدول الأوروبية بقوة في صناعة الحديد والصلب، وأنشأت اتحاد الصلب والفحم في أوروبا بين مختلف الدول، باعتبارها صناعة ضرورية للتنمية، رغم انخفاض أرباحها.

وعلي العكس من ذلك كانت التجربة البرازيلية بعد إزاحة الحكم العسكري عام 1994، حيث انتهجت الحكومات المدنية خلال عقد التسعينيات سياسات اقتصادية رأسمالية، تبنت سياسات الانفتاح الاقتصادي، وعمت البرازيل حمى الخصخصة والتحرير الاقتصادي، كما كان الحال في العديد من دول العالم الثالث التي اتبعت توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين، وهو ما أدى إلى تقدم في مؤشرات الاقتصاد الكلى.

وعلي الرغم من تحسن تلك المؤشرات إلا أن سياسات الانفتاح الاقتصادي أصابت المنتجين المحليين بخسائر فادحة مما أدى إلى مزيد من البطالة وتراجع حاد في الإنتاج المحلي ومن ثم تراجع معدلات التصدير وكذلك أيضا ارتفاع معدلات الفقر التي كانت مرتفعة بالأساس، ولم تتحسن الأوضاع الاقتصادية إلا بعد الحزم الاقتصادية التدخلية التي طبقها لولا دي سيلفا.

وتبرز التجربة الأرجنتينية تأكيدا على ضرورة دور الدولة الاقتصادي في المراحل الأولى للتنمية علي الأقل، ففي خلال الفترة 1945 و1955 أقدمت الإدارة الأرجنتينية علي عملية تأميم واسعة، تبعت بتشريع التنموية اللاحق بعد عام 1958، وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأرجنتيني لم يصبح “متقدماً” بشكل كامل من 1931 حتى 1974 إلا أنه لا يمكن تجاهل تضاعفه خمس مرات تقريباً (أو 3.8% بشكل سنوي) بينما لم يتضاعف عدد السكان سوى مرتينAnchor[23]، إلا أنه تم توزيعه بشكل جيد، مما أدى إلى العديد من التغييرات الجديرة بالملاحظة في المجتمع الأرجنتيني، أبرزها تطور الطبقة المتوسطة (40% من عدد السكان بحلول الستينيات) فضلاً عن كونها الأكثر دخلاً في المنطقة، كما أصبحت الطبقة العاملة في الأرجنتين الأكثر تنظيماً كذلك)Anchor[24](.

 وبذلك فقد أثبتت تجربة التسعينيات في البرازيل والعديد من دول العالم الثالث أن استقرار الاقتصاد الكلى لا يعنى بالضرورة نموا حقيقيا في الاقتصاد والإنتاج ولا يعنى تقدما في مستوى دخل الأفراد وحل المشكلات الاقتصادية مثل البطالة ومستويات الفقر المرتفعة ومشكلات الدين العام والتضخم وغيرها الكثير من المشاكل Anchor[25].

وبشكل عام، تذكر أستاذة العلوم السياسية بجامعة نورث كارولاينا “إيفيلين هيوبر” في دراسة أجرتها على دول أميركا اللاتينية بأنه كلما زاد تطبيق النيوليبرالية الاقتصادية، والتي من ضمنها خصخصة القطاعات العامة، كلما ارتفعت معها معدلات الفقر واللامساواة الاقتصادية، وهذا ما حصل في جميع دول أميركا اللاتينية بين عام 1982 و1995Anchor[26].

ويمكن أن نستنتج من الإشارات السريعة السابقة لبعض تجارب التنمية في الدول المختلفة إلى أن كل التجارب التنموية الناجحة تضمنت دورا للدولة في مرحلة ما، وبالذات في مراحل التأسيس وفي مراحل الأزمات، وأنه بدون هذا الدور لم تنجح الدول في الانتقال للمراحل الأعلى من التنمية.

وبالرجوع إلى تصور الحكومة لدور الدولة في الاقتصاد كما ورد في الوثيقة نجدها تنص على «تقاس فيه كفاءة الحكومات بمدى قدرتها على تقديم خدمات عامة عالية الجودة لمواطنيها، وسعيها نحو تعزيز البنية الأساسية الداعمة للاستثمار المحلي والأجنبي، وتبنيها لأطر تشريعية وتنظيمية تكفل جاذبية بيئات الأعمال وقدرتها على تأسيس شبكات أمان اجتماعي قادرة على كفالة الحماية للفئات المهمشة».

ولا شك أن هذا التصور المفرط في النيوليبرالية -استنادا إلى التجارب السابق استعراضها- لا يمكن أن ينهض بالمراحل التنموية المصرية والتي لا تزال تتحسس طريق البداية، وما يؤكد ذلك بوضوح أن انتهاج نفس الآليات أدت إلى زيادة المديونية العامة واستمرار مستويات عالية ومتزايدة من الفقر والبطالة وانخفاض الإنتاجية فى كافة فروع الاقتصاد.

وبذلك تجدر الإشارة إلى أن المخاطر الكبيرة لتخارج الدولة أو تقليص مساهمتها في صناعات رئيسية متعددة نصت عليها الوثيقة، تتسع لتشمل تشكيل المعادن كالحديد والنحاس، وصناعة الألومنيوم والنحاس وغيرها، وكلها أعمدة رئيسة لأية عملية تنموية جادة وحقيقية، بل وأعمدة لأنشطة القطاع الخاص المزمع استقطابه عبر تطبيق الوثيقة.

كل هذا بالإضافة إلى تساؤل رئيس يتحتم طرحه على الدولة، يتعلق بماهية استراتيجيتها للتنمية؟ والتي أهملت الوثيقة التطرق إليها، فلا يكفي أن تحدد الحكومة حدود ملكيتها للأصول الإنتاجية، ولكن ينبغي أن يكون واضحا ما الذي ستفعله بهذه الأصول، فهل تسعى الدولة لتعميق التصنيع؟ أم هل تخطط للانتقال من الاقتصاد الريعي من خلال بيعها للأراضي والعقارات، والتعويل على تحويلات المصريين والمصريات بالخارج ورسوم قناة السويس وما يتبقى من دخل من استخراج وتكرير النفط وتسييل الغاز الطبيعي بعد مواجهة الطلب المحلي المتزايد عليهما؟ وكيف ستفعل ذلك؟ هل هذه مهام تُترك للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي أم أن الدولة سوف تقوم بالدور القائد والرائد فى هذه المجالاتAnchor[27].

غياب صياغة استراتيجيات طموحة تنطلق من استخدام القدرات المحلية وتعبئة كل المؤسسات الإنتاجية العامة والخاصة وراءها، يبرز بجلاء أن الوثيقة ما هي إلا تفاعل حكومي سطحي وهش مع معضلة التنمية في مصر، وأن مستهدفاتها تنحصر فقط في الخروج من الأزمة الراهنة، وأن سؤال التنمية الشاملة لم يتطرق لأذهان الدولة بعد.

وربما خير دليل علي ذلك ذكر الوثيقة إنشائيا “أنه في نطاق الاتجاهات المستقبلية، مشاركة القطاع الخاص في الاستفادة من منجزات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الصناعي وغيره من مقومات تلك الثورة”، وذلك دون أن تجهد نفسها بوضع أي استراتيجية بحثية وعلمية وعملية حقيقية للنفاذ لتلك المجالات، بل والإبقاء على الميزانيات الهزيلة للبحث العلمي والتعليم.

خامسا: إمكانية تطبيق الوثيقة

أسهبت المباحث والفقرات السابقة في التعريف بوثيقة سياسة ملكية الدولة والأطر القانونية الحاكمة لها وأهدافها والمخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها، وتحاول هذه الفقرة استقراء إمكانية التنفيذ الفعلي للوثيقة، وذلك انطلاقا من مجموعة المعطيات سواء الموجود على أرض الواقع تاريخيا أو تلك المستجدات بعد عام 2013، ويمكن بيان ذلك كما يلي:

إمكانية البيع

أقدمت الحكومة المصرية على سن قانون جديد للاستثمار، وقانون جديد للثروة المعدنية، وآخر جديد للإفلاس، مع العديد من التعديلات لتشريعات أخرى، وكلها استهدفت تحسين المناخ الاستثماري في مصر، وعلى الرغم من ذلك لم تتحسن أحوال الاستثمار الأجنبي، بل تشير المؤشرات إلى تراجع أرقامه خلال الأربع سنوات الأخيرة.

وعمليا وخلال برنامج الطروحات الحكومية السابق – المحدود بالطبع مقارنة بمستهدفات الوثيقة- تواجدت الصناديق العربية السيادية كمشتر رئيس، في غياب شبه تام لغير العرب صناديقا وأفرادا، الأمر الذي يشير إلى أن دوافع الشراء قد يغلب عليها الطابع السياسي، وذلك على الرغم من انتقاء الشركات عالية الربحية.

  انحسار الشراء حتى الآن في الصناديق العربية يشكك كثيرا في إمكانية تحقق هدف بيع أصول قيمتها 40 مليار دولار خلال أربع سنوات فقط، لا سيما في ظل استمرار هيمنة الأجهزة السيادية على المقدرات الاقتصادية للبلاد، والتماهي المطلق بين ملكية الدولة وملكية الأجهزة خاصة من الأراضي، والتخوف الدائم من نزع الملكية، صحيح أنها لم تطل العرب أو الأجانب حتى اليوم، ولكن غياب سلطة القانون لا شك يعتبر مثبطا للاستثمار.

وطبقا لدراسة سابقة للمعهد المصري للدراسات حول أسباب عزوف الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن السوق المصري والتي كانت كما يلي Anchor[28]:

  • تآكل القوي الشرائية الاستهلاكية لجموع المصريين بعد برامج الضبط المالي مع صندوق النقد الدولي، وهو ما سيزداد حدة بعد البرنامج الجديد.
  • عدم توفر قوة العمل المدربة والمؤهلة مهنيا ومهاريا بالمواصفات العصرية، والمزودة بأخلاقيات وثقافة العمل.
  • تغول الأجهزة السيادية والحكومة على مناخ الأعمال في مصر.
  • ارتفاع معدلات التضخم.
  • صعوبات أداء الأعمال، من حيث إمكانية الدخول السهل لإقامة المشروعات، بدءا من الموافقات والتراخيص والحصول على الأراضي والمرافق اللازمة.
  • انخفاض مستويات الشفافية وانسياب المعلومات، وصعوبة عمليات التخليص الجمركي وانتشار الفساد في الموانئ، والرسوم الجمركية المرتفعة على بعض المواد، وإدارة النظم وصعوبة تحديد المسئوليات الوظيفية لبعض الأجهزة الحكومية.”

ومن الواضح أن هذه الأسباب قد ازدادت ترسخا خلال السنوات الأخيرة، وأنه لم تتخذ الدولة خطوات جادة في اتجاه تصحيحها.

يرى الباحث أنه سيحدث تكالب على شراء المشروعات المصرية ذات الطابع الاستراتيجي العالمي، مثل الموانئ، والتي تتعدي كثيرا قيمتها الاقتصادية إلى قيم جيوسياسية متعددة، ولكنه في ذات الوقت وكنتيجة للعديد من الإشكاليات السابق الإشارة إليها بصورة موجزة يبدو أن بيع أصول بقيمة 10 مليار دولار سنويا أمر مبالغ فيه إلى حد كبير في ظل استبقاء المعطيات الحالية على أوضاعها.

وباختصار يجدر توجيه تساؤل صريح للدولة، إذا كانت تجربة الطروحات لم تنجح، ولم تتغير البيئة الاستثمارية مقارنة بالسائد، فكيف سيتحقق هدف البيع الحالي، والأهم من ذلك أن الـ 10 مليار دولار المستهدفة هي نصف الواجب سداده من الديون والأقساط خلال العامين التاليين تقريبا، فما فائدة البيع إذاً، وضعا في الاعتبار أن البيع سيرسخ منهج النيوليبرالية، والهيمنة الأجنبية علي المقدرات الاقتصادية للبلاد، وسيعمق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وسيقوض أية مرحلة مبدئية للتنمية؟

إمكانية تمكين القطاع الخاص

تلقى القطاع الخاص المحلي ضربات موجعة منذ 2013 وحتى الآن، فبعد السيطرة على ما يزيد عن 60% من النشاط الاقتصادي المصري بنهاية عام 2013 أصبح وفقا لتصريحات رئيس الوزراء يعمل على حوالي 30% فقط من النشاط، وتستهدف الوثيقة تبديل الأوضاع بين الدولة والقطاع الخاص والعودة به إلى نفس نسبة النشاط القديمة، وهو الأمر الذي يدفع نحو التساؤل حول إمكانية تحقق تمكين القطاع الخاص.

ويرى الباحث أن إعادة تموضع القطاع الخاص المصري تواجهه العديد من التحديات، والتي يمكن تناولها بإيجاز كما يلي:

أ- تحدي المزاحمة المالية مع الحكومة

في ظل العجز المزمن والمتصاعد للموازنة العامة للدولة اعتمدت الدولة بصورة شبه كلية على الاقتراض من القطاع المصرفي لسد هذا العجز، الأمر الذي شكل تزاحما مع القطاع الخاص في الحصول على المدخرات المحلية التي كان من المفترض توجهها نحو دعم الاستثمار المحلي.

ولا شك أن هذا التحدي ليس فقط لا يزال قائما، بل إنه من المؤكد استمراره للعديد من السنوات القادمة وذلك لعدم وجود آفاق لنهاية العجز أو تقليصه بنسب معتبرة تبقي بعض المدخرات للقطاع الخاص.

يضاف إلى ذلك التوجه نحو رفع سعر الفائدة، في ظل تسابق ماض محموم مع الأسواق الناشئة لجذب الأموال الساخنة، أو في ظل استباق حالي لارتفاع معدلات التضخم كنتيجة لارتفاع الأسعار عالميا، والانخفاض الأخير للجنيه (الذي لن يكون الأخير)، وذلك كمحاولة لتجنب الدولرة وآثارها السلبية على الاقتصاد المحلي.

كما يضاف أيضا (وان لم يظهر في الوثيقة) إمكانية بيع أحد البنوك الحكومية، وهو الأمر الذي يدفع القطاع الخاص المحلي نحو فروع البنوك العالمية العاملة على الأراضي المصرية، وبالطبع لها اشتراطات مختلفة من حيث الضمانات والجدوى، ولا يوجد ما يدفعها لمحاباة القطاع الخاص المصري في ظل شراء حكومي محموم لأدوات الدين وبأسعار فائدة ربما أكثر من السائد في السوق. كل ذلك سيدفع تلك الفروع إما للتعامل المحدود مع القطاع الخاص، أو لرفع سعر الفائدة عليه في صورة مصروفات إضافية بخلاف السعر الرسمي المعلن. وكل ذلك يؤشر على صعوبة تحقق تمكين القطاع الخاص كما تأمل الوثيقة.

ب- تحدي مزاحمة الجيش للقطاع الخاص

صرحت الدولة أن المشروعات المملوكة للجيش ستدخل ضمن نطاق الوثيقة، وتجدر الإشارة إلى أن التصريح الأول باستهداف مشروعات الجيش كان منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم يفعّل حتى الآن، وكذلك شهدت تلك السنوات توسعا غير مسبوق لتلك المشروعات، الأمر الذي ظهر على شكل كونه تعويض استباقي للمستفيدين من تلك المشروعات حال التنفيذ الفعلي للبيع.

ملكية الجيش والمؤسسات السيادية وبعض أجهزة الدولة للمشروعات تثير العديد من الإشكاليات تأتي في مقدمتها المزايا السيادية الممنوحة لهم مثل الإعفاءات الجمركية والضريبية والحصول المجاني على الأراضي وعدم تحمل أجور العمال وغيرها، الأمر الذي يقوض التنافسية داخل السوق المصرية، ومن المؤكد أنه أحد اهم المثبطات للمستثمرين المحليين والأجانب.

  الإشكالية الثانية تأتي كنتيجة لعدم وجود نص صريح في القانون العسكري يتعامل مع النشاط الاستثماري، وبالتالي لا توجد آلية قانونية للشكوى عند حدوث خلاف بين شركة تابعة للجيش ومستثمر مدني، وكل هذه الإشكاليات لم تتعامل معها الدولة بصورة جدية حتى الآن.

ولعل الفقرة التالية تلخص الواقع بدقة، وتشير إلى صعوبة تحويل المسار الاقتصادي بعيدا عن الجيش، حيث صرح جيسون توفي من “كابيتال إيكونوميكس”، ” لن يتخلى الجيش عن مصالحه بسرعة كبيرة، وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن الجيش شديد القُرب من السيسي، وقد يمارس الضغط عليه إذا شعر أن مصالحه تتعرض لأي ضغوطAnchor[29].

ويضيف مايكل وحيد حنا، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، “إن تقليص دور الجيش سيتطلب إعادة تموضع وإعادة ترتيب أجزاء كبيرة من الاقتصاد المصري،” مضيفاً: “وهذا أمر صعب” Anchor[30].

أما عن اشتراط صندوق النقد الدولي تخفيض الاقتصاد العسكري في وثيقته الصادرة يوليو 2021 Anchor[31]، فتجدر الإشارة إلى أن الصندوق أحجم عن التعليق بعد ذلك على دور هذه الشركات، على الرغم من تأثيراتها الكبيرة المتزايدة على المالية العامة، وعلى الاقتصاد بصورة عامة .Anchor[32] 

ويشير “يزيد صايغ”  إلى أنه (ما من أدلّة على أن صندوق النقد الدولي تطرّق إلى الشركات العسكرية، تحديداً، في مفاوضاته الأخيرة مع الحكومة المصرية، وأن الاتفاق الجديد يقتصر على الحدّ الأدنى على مختلف الأصعدة  مقارنة مع الإصلاحات الواسعة التي تكررت المطالبة بها منذ العام 2016 Anchor[33].

ويستنتج صايغ أن الصندوق لم يتبع توصياته القديمة المتعلقة بمصر، ولم يستخدم نفوذه لوضع الشركات العسكرية على جدول الأعمال، ولكنه دعا إلى خروج الدولة من القطاعات الاقتصادية المختلفة، وضغطَ من أجل إقرار قانون موحّد للمشتريات العامة، بهدف تحسين الكفاءة والشفافية في الإنفاق، وكلتاهما أساسيتان لتحقيق هدف تعزيز “النمو الذي يقوده القطاع الخاص”، ولكن من شأن ذلك أن يؤثّر أيضاً بصورة مباشرة في البيئة التي تعمل فيها الشركات العسكرية Anchor[34].

ومما سبق يتضح صعوبة تحقق تمكين القطاع الخاص المصري حتى في ظل الإعلان عن تخارج الجيش من بعض المشروعات (والذي لم يحدث بالفعل حتى الآن)، وأن الدولة ستحاول التهرب من ذلك طالما وجدت سبيلا لذلك، وربما يحدث ضغط الصندوق غير المباشر بعض الحلحلة لمسألة الشفافية والإفصاح، ولكن من المؤكد أن ذلك سيبدأ علي مستوي شركات قطاع الأعمال العام، وعلي الكثير من التردد والمراوغة لشركات الجيش.

ج- تحدي البيروقراطية

فشلت العديد من المحاولات لإنقاذ القطاع الخاص من البيروقراطية المتجذرة في بيئة العمل المصرية، فسابقا ومنذ أكثر من عقد أعلن عن الشباك الواحد، ولكنه كان واجهة فقط تخفي ورائها الشبكة البيروقراطية المعروفة التي تتوزع عليها أوراق المستثمرين.

وفي محاولة للتغلب علي تأخر التراخيص الرسمية للمشروعات والتي تحتاج إلى ما يزيد عن ثلاث سنوات كاملة للترخيص الرسمي، تم الإعلان والاحتفاء بالرخصة الاستثمارية الذهبية، وهي ببساطة رخصة واحدة تُمنح للمشروعات الجديدة بهدف تسريع بدء النشاط الإنتاجي والاستثماري ولا تحتاج لموافقات من عدد من الجهات مثل الرخصة التقليدية Anchor[35].

والرخصة الذهبية لا تعفي المستثمر من المتطلبات، ولكنها تختصر كل شيء في موافقة واحدة، ويستلزم من المشاريع الاستثمارية المؤهلة للحصول على الرخصة الذهبية استيفاء جميع المتطلبات التنظيمية، كما أنها جاءت تطبيقا للمادة رقم (29) من قانون الاستثمار والتي جاءت جميع بنودها تحت عنوان التغلب على البيروقراطية.

 والعجيب أنه رغم مرور عدة أشهر عن الإعلان عنها ورغم التشجيع عليها وتبنيها من الحكومة ورأس السلطة، إلا أنه لم يحصل عليها حتى كتابة هذه السطور إلا مستثمر وحيد، الأمر الذي يدلل على أن تحدي البيروقراطية (يرى الباحث أن النسبة الكبري منها ترجع للموافقات الأمنية في الأساس) سيستمر كمعوق رئيس لتوسع نشاط القطاع الخاص في مصر.

عموما وفي ظل التحديات السابقة (والتي تحتاج إلى دراسة أكثر تفصيلا)، يمكن القول بصعوبة تحقق هدف التحول نحو تمكين القطاع الخاص المصري واستبداله بدور الجيش وقطاع الأعمال العام، ولا يعني هذا بقاءه على الوضع الحالي، ولكن المقصود هو محدودية التوسع في النشاط مقارنة بالمستهدفات التي تتحدث عنها الوثيقة.

في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن الإصلاح الاقتصادي والسير نحو طريق التنمية يلزمه وجوبا إصلاح سياسي يسبقه أو على الأقل يتوازى مع خطواته، وذلك لتأمين مؤسسات صالحة لإنتاج قوانين ومؤسسات ومشروعات تقود هذا الإصلاح بروح العدالة والشفافية والتنافسية الحقيقية، وبما يضمن توزيع ثماره بشكل عادل علي جميع فئات المجتمع.

فليس من المقبول ولا المعقول المخاطرة بخصخصة معظم أملاك الدولة في ظل غياب أدنى درجات الشفافية وتغييب القضاء العادل، ومؤسسات الرقابة والمحاسبة، وليس من المنطقي كذلك نجاح جلب الاستثمارات الأجنبية في ظل تلك الغيابات.

كما أنه من الواجب البحث عن نموذج نهضوي خاص بالدولة المصرية يساعدها على الارتقاء التنموي، ينطلق من المخزون الحضاري العريق، تأسيساً على الإمكانات المحلية البشرية والاقتصادية المتاحة، ومحاولا تخليق المفقود من ضرورات النهضة، مع التأكيد علي ألا تكون تجارب الدول السابقة تنمويا إلا استرشاديات إجرائية يمكن تسكينها عبر ذلك النموذج العام.

خلاصة

  • آلية تسعير أسهم الشركات المجهزة للطرح في البورصة وهي “يتحدد سعر الطرح لأسهم الشركات غير المقيدة بالبورصة أو المقيدة وغير نشطة التداول في ضوء المدى السعري لدراسة القيم العادلة لهذه الأسهم، أما بالنسبة لأسهم الشركات المقيدة نشطة التداول فيكون تحديد المدى السعري لطرح هذه الأسهم في حدود 10% أكثر أو أقل من متوسط سعر الإقفال خلال الشهر السابق من تاريخ التعاقد مع بنوك الاستثمار المروجة لها” هي آلية التسعير الرسمية المعتمدة من الدولة، ولم يعلن عن غيرها حتى الآن، بما يعني أنها تسري كذلك على وثيقة الملكية التي استبدل بها برنامج الطروحات.
  • وثيقة سياسة ملكية الدولة من حيث عدد المشروعات المزمع بيعها، والفترة الزمنية القصيرة، جاءت لتعوض التأخر الذي شاب البرنامج الأول للطروحات، وذلك استجابة لشروط صندوق النقد في الحصول علي قروض جديدة من المؤسسات الدولية، كما أنها تفصح عن نوايا الدولة في تعميق النهج النيوليبرالي. لكن تبقى الظروف المحيطة بإصدارها شديدة الغموض، حيث لم يتم الإعلان عن تبنيها بشكل نهائي حتى الأن، ومن غير الواضح إذا ما كان هناك توجها حقيقيا لإصدارها من قبل الدولة، أم أن طرحها على شكل مسودة كان فقط بغرض إظهار جدية الدولة في الإسراع بموضوع الخصخصة لكي يمكن إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
  • توضح الأطر القانونية التي تستند إليها الوثيقة حصر كامل سلطة البيع للسلطة التنفيذية، حيث أضحت الجمعية العمومية جهة شكلية إلى حد بعيد، حيث يحق للسلطة التنفيذية نقل ملكية أسهم أي شركة تابعة إلى الصندوق السيادي أو إلى أي شخصية اعتبارية، دون الرجوع للشركة القابضة، وذلك يعني باختصار أن السلطة التنفيذية المالك الأوحد لسلطة خصخصة الشركات، دون أي رقيب أو حسيب.
  • قانون الصندوق السيادي وتعديلاته يؤكد أن الصندوق جهة تابعة بصورة كاملة للسلطة التنفيذية، أنشأت في الأساس لتسريع وتيرة الخصخصة والابتعاد بها عن دوائر المراجعة والمساءلة حيث لا يراقب على أنشطتها أية جهة رقابية، بالإضافة إلى السماح له بانشاء صناديق فرعية تجعل تتبع مسار الأصل الحكومي شبه مستحيل.
  • بالنظر إلى تأكيد وثيقة سياسات الملكية علي الاسترشاد بوثيقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية ومعاييرها، إضافة إلى بيان صندوق النقد في حيثيات القرض الجديد، بلعب الشركاء الدوليين والإقليميين دورا حاسما في تنفيذ السياسات، يمكن الوصول للاستنتاج الصريح بأن مصر باتت تحت الوصاية الدولية والإقليمية.
  • استخدمت وثيقة ملكية الدولة مصطلح التخارج بدلا من مصطلح الخصخصة، لتجنب رد الفعل العام السلبي، الذي يستدعي دائما الصورة السلبية لسياسات الخصخصة فى التسعينيات، وربما يمثل ذلك اعترافاً ضمنياً من الحكومة المصرية بسلبيات تلك الفترة وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية السلبية على عملية التنمية الاقتصادية ورغم ذلك لم تشر بنود الوثيقة إلى عزمها على تفادي الوقوع في نفس الأخطاء.
  • تواجه برامج الخصخصة معضلة” ثلاثية الازدهار” التى تتمثل فى تحقيق أعلى توافق ممكن بين الكفاءة والعدالة والتقدم، وكلما اتسمت السياسات الاقتصادية المطبقة باستيفاء تلك الثلاثية انعكس ذلك على مدى نجاحها فى تحقيق نمو اقتصادي احتوائي، وهو ذلك النمو الاقتصادي الذي يتضمن فى محتوياته ليس فقط تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، ولكن أيضا ذلك النمو الذي ينعكس بالضرورة على خفض معدلات الفقر وعدالة توزيع العوائد، وهو الأمر الذي تجاهلته الوثيقة بصورة تامة.
  • حل معوقات الاستثمار هي مسألة أكبر من الوثيقة ولا يجب أن تٌحمل عليها، والنظر للوثيقة كونها ستحل مشاكل الاقتصاد والاستثمار في مصر فيه مبالغة واضحة، لا سيما أن تراكم مشاكل الاستثمار عبر عدة عقود سابقة ثم تعقدها في العقد الأخير تتطلب الكثير من العمل على العديد من المستويات، الأمر الذي لا يزال مفتقدا حتى مع وجود الوثيقة.
  • من الواضح أن عملية التخارج من الأصول سيتولاها الصندوق السيادي، والأصول الباقية سوف تظل تحت إدارة مؤسسات الدولة، أى أن المسئولية عن كل هذه الأصول سوف تقع تحت عاتق هؤلاء الخبراء الفنيين الذين تعينهم الدولة لإدارة هذه المؤسسات دونما توافر أية مساحة للرقابة والشفافية على أعمالهم، وبالتالي تغدو مساءلتهم أمرا بعيد المنال.
  • حصّن قانون الصندوق السيادي وتعديلاته أعمال الصندوق من الرقابة كليا، وعمليا، فإن الجواز القانوني بانشاء صناديق فرعية له تجعل الرقابة على دوائر عمله أمرا شديد الصعوبة.
  • يتضح من بنود الوثيقة عدم شفافية تعريف مصطلح «ملكية الدولة»، هل الملكيات المنتمية إلى قطاعات بنكية وقطاعات المؤسسات الشرطية والجيش تقع تحت تلك المظلة، وعدم شفافية تحديد نسب مساهمة الدولة الحالية فى كل قطاع، وبشكل تفصيلي، لتوضيح معدل التخارج من القطاع والنسب المستهدفة من دخول القطاع الخاص فيه.
  • لا توجد في الوثيقة آلية محددة توضح ولو تقريبيا مدى انعكاس زيادة معدل النمو الاقتصادي والاستثمار المحلي والأجنبي على معدلات الفقر والبطالة.
  • تجاهلت الوثيقة الحديث عن أراضي الدولة وملكيتها وكيفية التصرف فيها، لا سيما الأرض الفضاء، حيث هناك فارق كبير بين أن تكون هذه الأراضي الفضاء ملكا للدولة، أو أن تكون ملكا لبعض أجهزة الدولة.
  • إعلان الوثيقة عن الاسترشاد بالمبادئ التوجيهية بشأن حوكمة الشركات المملوكة للدولة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فالأمر لا يعدو كونه استرشادا لا يوجد ضمانات حقيقية على تنفيذه، ومن المرجح أنه جاء في اطار طمأنة الصناديق العربية الراغبة في شراء تلك الأصول.
  • في حال كتب لموجة الخصخصة الحالية النجاح فإنه لن يتبقى في حوزة الدولة الكثير من الأصول والتي من الممكن أن تشكل تهديدا للمشترين العرب حال بقاء تلك المميزات على حالها، كما أنه من المؤكد كذلك أن هؤلاء المشترين العرب سيشترون لاحقا تلك البقية) القليلة) في إطار موجة خصخصة مؤكدة لاحقة في ظل اللهث وراء سداد الأقساط والفوائد الناجمة عن النهج الاقتصادي العشوائي المتعجرف والتفاخري للإدارة المصرية.
  • النموذج النيوليبرالي الموروث من العقد الأخير قبل ثورة يناير يرتكز على رفع مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الكلية، واعتبار النجاح في تحقيقها خطوات مهمة في طريق التنمية الشاملة، وهو الأمر الذي ثبت خطأه في التجربة المصرية، حيث أنه في نفس العقد وعلي الرغم من معدلات النمو المرتفعة، والنجاح في جذب الاستثمارات الأجنبية، ومعدلات التضخم المحدودة، والثبات النسبي لسعر الصرف، وتحسن أرقام الصادرات، إلا أنه شهد بالتوازي تعميق اللامساواة وغياب العدالة الاجتماعية، وزيادة عدد الفقراء.
  • أثبتت تجربة التسعينيات في البرازيل والعديد من دول العالم الثالث أن استقرار الاقتصاد الكلى لا يعنى بالضرورة نموا حقيقيا في الاقتصاد والإنتاج ولا يعنى تقدما في مستوى دخل الأفراد وحل المشكلات الاقتصادية مثل البطالة ومستويات الفقر المرتفعة ومشكلات الدين العام والتضخم وغيرها الكثير من المشاكل.
  • كلما زاد تطبيق النيوليبرالية الاقتصادية (التي تتبناها الوثيقة)، كلما ارتفعت معها معدلات الفقر واللامساواة الاقتصادية، وهذا ما حصل في جميع دول أميركا اللاتينية بين عام 1982 و1995.
  • كل التجارب التنموية الناجحة تضمنت دورا للدولة في مرحلة ما، وبالذات في مراحل التأسيس وفي مراحل الأزمات، وأنه بدون هذا الدور لم تنجح الدول الانتقال للمراحل الأعلى من التنمية، ومصر معرضة لذات المصير حال نجاح تطبيق الوثيقة.
  • غياب صياغة استراتيجيات طموحة تنطلق من استخدام القدرات المحلية وتعبئة كل المؤسسات الإنتاجية العامة والخاصة وراءها، يبرز بجلاء أن الوثيقة ما هي إلا تفاعل حكومي سطحي وهش مع معضلة التنمية في مصر، وأن مستهدفاتها تنحصر فقط في محاولة الخروج من الأزمة الراهنة، وأن سؤال التنمية الشاملة لم يتطرق لأذهان الدولة بعد.
  • انحسار الشراء حتى الآن في الصناديق العربية يشكك كثيرا في إمكانية تحقق هدف بيع أصول قيمتها 40 مليار دولار خلال أربع سنوات فقط، لا سيما في ظل استمرار هيمنة الجيش والأجهزة السيادية على المقدرات الاقتصادية للبلاد، والتماهي المطلق بين ملكية الدولة وملكية الأجهزة خاصة من الأراضي، والتخوف الدائم من نزع الملكية.
  • سيحدث تكالب على شراء المشروعات المصرية ذات الطابع الاستراتيجي العالمي، مثل الموانئ، والتي تتعدي كثيرا قيمتها الاقتصادية إلى قيم جيوسياسية متعددة، ولكنه في ذات الوقت وكنتيجة للعديد من الإشكاليات يبدو أن بيع أصول بقيمة 10 مليار دولار سنويا أمر مبالغ فيه إلى حد كبير في ظل استبقاء المعطيات الحالية على أوضاعها.
  • إعادة تموضع القطاع الخاص المصري تواجهه العديد من التحديات، مثل تحدي المزاحمة المالية مع الحكومة وتحدي مزاحمة الجيش للقطاع الخاص بالإضافة إلى تحدي البيروقراطية العميقة في مصر.

التوصيات

توصي الدراسة بالمزيد من البحث في “معوقات الاستثمار المحلي والأجنبي في مصر”، وكيف يمكن التغلب عليها.


الهامش

Anchor[1] للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة د. أحمد ذكراللهأزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، أغسطس 2022.

Anchor[2] اعتمد الباحث علي نص الوثيقة المنشور علي موقع مجلس الوزراء المصري، وليس علي التعديلات التي تم الحديث عنها مؤخرا لعدم وجود بيان رسمي بها، ويعني ذلك أيضا عدم وجود نص نهائي للوثيقة.

Anchor[3] موقع الجزيرة مباشرتأجيل بيع الشركات الحكومية يهبط بالبورصة المصرية

Anchor[4] الجريدة الرسميةع 19 مكرر(ج)، 14 مايو 2018.

Anchor[5] محمد حسن خليل: وثيقة ملكية الدولة والتنمية،  الحوار المتمدن-العدد: 7332 – 2022 / 8 / 6 – 20:47.

Anchor[6] محمد حسن خليل: مرجع سابق.

Anchor[7] للمزيد من التفاصيل حول مواد هذا القانون يمكن مراجعة النص الكامل واللائحة التنفيذية من خلال الرابط التالي

قانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 ولائحته التنفيذية

Anchor[8] يمكن مراجعة مواد القانون بالكامل عبر الرابط التالي:

القانون 185 لسنة 2020 (مخصص لتعديل بعض أحكام قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991

Anchor[9] لمراجعة مواد قانون الصندوق السيادي لسنة 2018، والقانون الجديد له لسنة 2020، الرابطhttps://manshurat.org/node/71107

Anchor[10] لمزيد من التفاصيل حول وثيقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يمكن مراجعة النص الكامل عبر الرابط التالي:

https://vdoc.pub/documents/oecd-guidelines-on-corporate-governance-of-state-owned-enterprises-2015-edition-arabic-version-61330q834h20

Anchor[11] محمد حسن خليل : مرجع سابق.

Anchor[12] 5 أهداف لوثيقة سياسة ملكية الدولة أبرزها تحقيق نمو اقتصادي بين 9.7%

Anchor[13] د. هدى أبورميلةوثيقة ملكية الدولة ومعضلة ثلاثية الازدهار.

Anchor[14]

Anchor[15] د. هدى أبورميلةوثيقة ملكية الدولة ومعضلة ثلاثية الازدهار.

Anchor[16] محمد حسن خليل: مرجع سابق.

Anchor[17] د. هدى أبورميلةوثيقة ملكية الدولة ومعضلة ثلاثية الازدهار.

Anchor[18] محمد حسن خليل: مرجع سابق.

Anchor[19] عمرو عادليدور الدولة الاقتصادي وإعادة تصميم نموذج التنمية في مصر، مركز كارنيجي الشرق الأوسط، 131 ديسمبر2014.

Anchor[20] عبد الوهاب محمد جواد: النموذج التنموي الآسيوي وإمكانية محاكاته من الدول النامية، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، جامعة الكوفة – كلية الإدارة والاقتصاد، ع17 ،ص102.

Anchor[21] كرينغساك تشاريونوغساكتجربة الدولة التنموية في ماليزيا، المعهد الجامعي الأوربي، تقرير بحثي 2021، ص 9، 11.

Anchor[22] المركز الديموقراطي العربيالدولة التنموية: دراسة مقارنة بين نجاح كوريا الجنوبية فى الفترة 1961-1987، وفشلها فى مصر فى الفترة1981 – 2008، يونيو 2020.

Anchor[23]The Statistical Abstract of Latin America. University of California, Los Angeles.

Anchor[24] Nelson, Daniel, ed. (2003). St. James Encyclopedia of Labor History Worldwide. St. James Press.

Anchor[25] لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعةالتاريخ الاقتصادي للبرازيل

Anchor[26] عبدالرحيم بخاريمخاطر الخصخصة: وجهة نظر قد تزعجك

Anchor[27] محمد حسن خليل: مرجع سابق.

Anchor[28] د. أحمد ذكراللهالاقتصاد المصري 2022 ـ 2025: قراءة استشرافية، يناير 2022.

Anchor[29] فاينانشيال تايمزهل يسحب السيسي الاقتصاد من قبضة العسكر؟!، ترجمة المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية

Anchor[30] نفس المرجع السابق.

Anchor[31] لمزيد من التفاصيل حول وثيقة الصندوق يمكن مراجعة:

https://www.imf.org/en/Publications/CR/Issues/2021/07/22/Arab-Republic-of-Egypt-2021-Article-IV-Consultation-Second-Review-Under-the-Stand-By-462545

Anchor[32] مركز مالكوم كير كارنيجسأنشطة الشركات العسكرية مستمرة

Anchor[33] نفس المرجع السابق.

Anchor[34] نفس المرجع السابق.

Anchor[35] اليوم السابعماهي الرخصة الذهبية.