يتحاكم لا يحكم

 

يتحاكم لا يحكم

دراسة حول الانتخابات السابقة واللاحقة

أ.د. سيف الدين عبد الفتاح

أستاذ الفكر السياسي الإسلامي والنظرية السياسية

بمناسبة الحديث عن الانتخابات الرئاسية المصرية ننشر هذه الدراسة التي نشرت مسلسلة قبيل انتخابات 2018 في مدونة الجزيرة خلال الفترة من 17/2/2018 – 31/8/2018

يتحاكم لا يحكم: مقدمات ضرورية

تأتي الأحداث من هنا وهناك وتتراكم لتؤكد جملة من حقائق الحال التي وصل إليها ذلك النظام الفاشي للدولة البوليسية، الذي انتهج سياسة تقوم على قاعدة من البلطجة السياسية -إن صح وصفها بذلك الوصف- وأظهر ذلك مختبر الانتخابات، ذلك أن الانتخابات الرئاسية القادمة كانت محط اهتمام لكثير من القوى المختلفة داخل المجتمع المصري وخارجه، وبدا للبعض أن تلك الانتخابات تشكل فرصة في الموقف السياسي لحلحلة حال الجمود الذي وصلت إليه الأمور في إطار تفرد السيسي والعسكر بالساحة السياسية بالكامل؛ بعد قيامهم بذلك الانقلاب المشؤوم واغتصابهم السياسة ومصادرة المجال العام بالجملة، ومن هنا بدا هذا المشهد الانتخابي مختبرا جيدا لحال المنظومة الانتخابية التي لا ترى في السياسة ميدانا ولا في العمل المدني أهمية، فقد قررت أن تعسكر المجتمع وتقوم بكل ما من شأنه تحويل المجتمع بأسره إلى معسكر كبير تصدر له الأوامر ويطيع بلا معقب، يدخل بيت الطاعة إكراها ولا يستطيع إلا تنفيذ الأوامر والعمل بها.

ومع ذلك فإن الحال الانتخابية الرئاسية -والتي جرت قبل ذلك بانتخابات في 2014- جرت تلك الانتخابات في مسرحية هزلية وفي وجود محلل اشتهر بلقب “الكمبرس” حتى يطفى شرعنه على تلك الانتخابات ويقدم مسوغا لنتائجها التي في حقيقة الأمر لا يمكن تسويفها، كانت تلك الانتخابات مسرحية هزلية بالكامل في إطار إجرائها وفي إطار عمليات التصويت التي مُددت يوما ثالثا من غير مسوغ ولا مبرر قانوني، ومع ذلك ظل هؤلاء يتحدثون عن شكل انتخابات وما هي بالانتخابات، لكن بعد أربع سنوات -واستعدادا لانتخابات أخرى في العام 2018 في حقيقة الأمر- نقول: إن تلك الانتخابات حولت مما يسمى بانتخابات الرئاسة الهزلية إلى انتخابات الرئاسة القسرية.

بدا الأمر وكأن عصابة اختطفت كامل الوطن اختطافا قسريا واختطفت كل مؤسسات المجتمع وتضعها تحت يدي العسكر، وتسيطر على مساحات جديدة من الاقتصاد والسياسة والإعلام لتشكل بحق مجتمع العسكر الذي يتحكم في كل مفاصل المجتمع وكافة أنشطته الحيوية والمفصلية.

وبدت المهزلة الانتخابية في شكلها المستجد في انتخابات قسرية في إعلان مرشحين استطاعت العصابة -عصابة العسكر- أن تدير الأمر بشكل خطير لنجد في النهاية المرشحين مختطفين قسريا منهم من هو رهن الإقامة الجبرية  أو معتقلا، بل إن البعض وقد اعتقد أننا نتحدث عن لفظ البلطجة هنا بشكل مجازي ولكننا في الحقيقة نتحدث عن أعمال العصابات والبلطجة على نحو حقيقي؛ تصادر كل شيء ويخرج من جرابه جماعة البلطجية ليقوموا بأدوارهم التقليدية حتى أن هؤلاء اعتدوا بالضرب على أحد الذين كانوا في الفريق الانتخابي لأحد المرشحين، وبدا الأمر في خطورته يعبر عن حالة غير مسبوقة باستخدام أدوات البلطجة بصورة فجة، وبجاحة من النظام البلطجي من دون تردد وبدون أي استخفاء، واتضحت الأمور بعد ذلك لتجعل ذلك الميدان الذي يتعلق بالانتخابات ميدانا للاختفاء القسري أو التصفية المعنوية ودخلنا في دوامة لا نهاية لها.

حتى أن تلك الانتخابات -لو كان لها نصيب من ذلك الاسم- تحولت إلى حالة استفتائية على شخص واحد، وحينما رأى من يساندونه في بلاد الغرب ومن كل صوب وحدب أن هذا أمر فاضح بكل المعايير لا يمكن تغطيته ولا يمكن تمريره؛ بدا لهم أن يبحثوا عن شخص آخر يقوم بدور “التيس” المستعار الذي يمثل دور المنافسة في انتخابات حسمها السيسي في مبارة للمصارعة الحرة، بلطج فيها ما بلطج واستخدم فيها كل اسلحته غير المشروعة ووضع كل خصومه في السجون، سواء من أراد أن يدخل الانتخابات ويترشح أو من طالب بمقاطعة الانتخابات.

ومن بلطجة ذلك النظام أنك لا تعرف بحق ماذا يريد من تلك الحالة الانتخابية، فلا هو يرضى بالمشاركة ولا هو يرضى بالمقاطعة، وإذا أردت أن تلحظ أي تهم يمكن أن توجه إلى هؤلاء فإنها تهم شبيهة بتهم التحريض وتهم تصنيع وتضخيم الأزمات واستهداف نظام الدولة، ويتساءل البعض بحق أين الدولة وأين السياسة؟ وأين الانتخابات؟ في حقيقة الأمر لا نرى سوى عصابة تحكمت واختطفت وطننا بأسره وشعبا بأسره واختطفت السياسة واغتصبتها أمام أعين ومرأى الجميع، وها هي تجعل من كل من تجرأ وترشح، وكل من تجرأ وأعلن المقاطعة معتقلا وتضعه في غياهب المعتقلات والسجون.

 يكفي المشهد الانتخابي وحده ليدين هذا النظام ليعلن رأسه الانقلابي أنه ليس بالسياسي، فماذا هو إذن؟ إن كان لا يهتم بالسياسة أو بشأن السياسة وهو يتولى جبرا وقهرا منصب رئيس الجمهورية بعد أن اختطف رئيسا شرعيا منتخبا وقام بكل عمل يؤكد فاشية النظام ويؤكد ممارسة سياسة البلطجة والطغيان!

 ثم بعد ذلك يتجرأ هذا المنقلب ويتبجح فيتحدث زبانيته كما يتحدث هو عن إنجازات زائفة وعن أوهام رائجة؛ يقوم بكل ذلك مبررا ترشحه لفترة حكم ثانية؛ بل إنه يدبر مع بلطجيته في البرلمان تعديل دستور بما يؤمن استمراره على رأس السلطة، الأمر في الحقيقة اغتصاب وانقلاب وفاشية وحكم بالحديد والنار، وعصابة تختطف عموم الناس وتصادر كل مجال عام وأي شبهة لعمل سياسي أو مدني.

يقوم بكل ذلك في أجواء يصطنعها -أجواء حرب- يسمها حربا على الإرهاب وهي في حقيقة الأمر مع مجرى تلك المعركة والحرب، تتبين بعض أهدافها في تفريغ سيناء من سكانها خاصة هذا الشريط الحدودي مع الكيان الصهيوني، وفي تلك الساعة التي نكتب فيها تم تفريغ السكان في منطقة رفح بما يقرب من 15 كيلوا مترا من الحدود؛ لتبدو هذه الأمور مشبوهة، خاصة مع تصاعد وتيرة تصريحات أميركية وإسرائيلية كلها تشير إلى هذا التفريغ لأغراض مختلفة؛ لتوطين بعض الفلسطينيين في هذه الأرض فيما سمّوه صفقة القرن، في ظل هذه الأجواء من إرهاب محتمل، ومن معارك مصطنعة ومن إعلان لحالة الطوارئ -ومن ترزيه-، وبلطجية القوانين الذين أخرجوا حزمة من قوانين التخويف والترهيب لصناعة جمهورية الخوف، ومن صناعة الترويع إلى صناعة التجويع في كل هذه الأجواء ستكون هناك ما تسمى بالانتخابات وما هي بالانتخابات!

انتخابات قسرية اختطف فيها كل مرشح ودفع الأخرون إلى الانسحاب ووضع من نادى بالمقاطعة بالسجون، فأي انتخابات تلك؟ إن هذا المشهد وحده برصد كل فصوله ومشاهده وما وقع فيه إنما يشير بحق إلى عنونة تلك السلسلة التي سنقوم بكتابتها حتى تحل علينا تلك الكارثة المسماة بالانتخابات التي اصطنعها السيسي على عينه بأجهزته الفاشية والعصابية والبلطجية، فهل من حق شخص كهذا أن يحكم؟ وهل يكون من الضروري أن نضع له كل لوائح الاتهام لنقول له قولة واحدة من كل من يريد انقاذ وطن وشعب: ألا أيها البلطجي وجبت محاكمتك لا طلبك للرئاسة “يحاكم لا يحكم.

الكتاب الأسود

يعد[2] هذا الجهد الذي اتخذ له عنوانا “الكتاب الأسود” والذي يوثق لسياسات السيسي وجملة قرارته ومخرجات نظامه الانقلابي جهدا مهما، والذي قام به برلمان الخارج، خاصة أن المنقلب يحاول في هذه الآونة التأهب لانتخابات رئاسية هزلية حتى يُختار لفترة رئاسية ثانية، رغم كل تلك المآسي التي ارتكبها تحت عناوين كثيرة؛ فقد ارتكب من الأفعال ما يعد جرائم وما يصنف بعضها في أعلاها مثل “خيانة الأمانة”، وخيانة القسم، مرورا بما يعتبر مؤشرات على فساد كبير، يجتهد هو ومؤسساته في إخفاء أي قرائن ومؤشرات على هذا الوزر وارتكابه، وانتهاء بمشاهد الفشل التي غالبا ما تمثل احترافية الفشل في هذا النظام الذي يحاول أن يبيع الأوهام ويروج الأحلام.

بين قوائم الاتهام والتجريم، وجرائم الفاشية وانتهاك حقوق الإنسان، وقوائم الفساد وحماية الفاسدين، وقوائم الفشل التي تشير إلى افتقاد النظام إلى قدر مشروعية أفعاله، فإن هذا النظام الذي افتتح عمله الفاضح باغتصاب السلطة الشرعية، وقطع الطريق على مسار انتخابي وديمقراطي، واختطاف رئيس مدني منتخب غير معروف مكان احتجازه أو سجنه، كل تلك القوائم إنما تشكل في حقيقة الأمر “كتابًا أسودًا”، تلازم هذه المنظومة الانقلابية بكل قبائحها وسوءاتها، التي يجب نشرها في ظل استراتيجية وسياسة لفضح النظام على رؤوس الأشهاد في كل مقام ومكان، وأمام كل هيئة ومؤسسة في الداخل والخارج، حتى يرفع النقاب ويكشف المستور من سياسات العسكر التي لا تجلب إلا خرابا للمجتمعات، وتخريبا لعمرانها وإنسانها، وجملة العلاقات الاجتماعية والمجتمعية التي يسهم المستبد والمستبدون وجوقته في تمزيق تلك الشبكات وتشرذمها بما ينال من قوة الوطن وتماسك الشعب ووحدة الجماعة والوطن.

لا حرية من دون كرامة

رباعية الشعار: “العيش الكريم”، و”الكرامة الإنسانية”، و”الحرية الأساسية”، و”العدالة الاجتماعية “. وبالنظر لهذه الأهداف، فإنها مثلت بالنسبة “للثورة المضادة” تذكيرا لها بمطالبات شعبية وأشواق جماهيرية تتوق إلى تحقيق هذه الأهداف، فما كان من زبانية الثورة المضادة إلا استهداف هذه الأهداف في مقتل، وجعل هذه الأهداف نصب أعينها لاستهدافها بكل بجاحة ودناءة وحقارة.

فهذا العيش الكريم الذي استبدل بعمليات متتابعة لسياسات ممنهجة لتكريس حالة الإفقار المتعمد في بر مصر، يهدف إلى استراتيجية “تجويع” قامت عليها مؤسسات ووزارات تؤدي الخدمات، فإذا بها تتحول إلى أدوات جباية لئيمة تمتك عظام تلك الشعوب وتمتص دماءها لو كان فيها بقية من حياة، لا تقيم وزنا لهؤلاء المعدمين، إنها طريقة أخرى من طرائق الإعدام التي يوزعها النظام ضمن زيادة رقعة “المعدومين” في إطار سياسات جائرة برفع الدعم من دون أي تعويض يذكر للفئات الفقيرة التي ازدادت فقرا وإفقارا، وإذا تأملت لفظ “المعدوم” فهو على قرابة من “الإعدام”؛ الفعل الذي يتعلق بإزهاق الأرواح، ولكن على نحو بطيء وبنهج متعمد.

خط الفقر ومن هم تحته صار كل يوم يلتهم أعدادا جديدة من فئة “المعدومين”، المتدهور حالهم من جراء غول الغلاء وسعار الأسعار وهوان الجنيه وتغول الدولار.. كل هذه الأمور ليس أمامها إلا “الفقير المعدوم” المطحون الذي يزداد فقرا، فتتكالب عليه، وتزيد أحواله تفاقما، وحاجاته ازديادا. إن الحديث بالأرقام عن هذه الأمور تجده ضمن جداول ورسوم بيانية وأنفوجرافات (من أشكال معلوماتية) معبرة عن أسوء حال، وتدهور معنى “العيش”، أما انتماؤه إلى دائرة الوصف بالكريم فقد صار من مستحيلات هذا النظام الذي جعل من شعارات “مش قادر أديك” و”نجوع.. نجوع” من استغلال حال المعدومية التي صارت صفة لهؤلاء الذين في تدهور وسقوط مستمر في بئر الحرمان والإفقار.

أما معاني الكرامة الإنسانية المستهدفة من المنظومة في كتاب أسود لا يقدر معنى الإنسانية وحرمتها، فضلا عن إهداره للكرامة بكل صورها وكل مقتضياتها وشروطها. إن إهدار الإنسانية وطمس الكرامة لهما عمليتان يقوم بهما النظام الانقلابي على نحو استباحي ممنهج، فينال من الإنسان وأمنه بتخويفه وترويعه وتفزيعه وتعبيده وتطويعه، وينال من حرمته وكيانه وبنيانه، ناظرا إليه في دائرة العبء على نظام فاسد فاشي فاشل لا يملك من السياسات إلا إهانة الإنسان وممارسة الطغيان، والنيل من كل كيان، وتبديد كل أمان وعمران.

إن أرخص الأشياء في ظل ارتفاع الأسعار المريب والرهيب هو الإنسان ذاته الذي قلت قدرته وتآكلت طاقته وسلبت كرامته، بل وحتى تستباح نفسه وإنسانيته بالقتل، حتى صار الإعدام أحكاما وأفعالا استراتيجية تتبناها هذه المنظومة، لا تقيم وزنا لأحد ولا تضع لنفسها أي سقوف أو قيود أو حدود، عنوان أفعالها الاستباحة، ومداخل أقوالها وخطابها الإهانة والاستهانة. إن رؤية الإنسان المصري لنفسه سواء أكان مطاردا أو معتقلا، في ظل نظام يجعل التهمة هي الأساس والبراءة هي الاستثناء، إنما تعبر عن بؤس المواطن وافتقاده لكيانه ومعنى إنسانيته ومغزى كرامته.

ذلك أن افتقاد الكيان والكرامة الإنسانية إذا حدث وصار ذلك منهجا وسياسة فلا تتحدث عن “الحرية”، لا أساسية ولا مدنية ولا سياسية، الحرية فعل قيمي عزيز يتعلق بخلق الله للإنسان كريما في كيانه حرا في بنيانه وفي قناعاته وخياراته، في إرادته وقدراته، في مساره ومسيرته وتقرير مصيره، إنها القيمة التي تلف الإنسان فتخرجه من كل علاقة تمتهنه أو تهينه: “علاقة السيد والعبد”، و”علاقة المستبد والخاضع”، و”علاقة الطاغية والامتهان”، و”علاقة البطش والخوف والتخويف والترويع” و”علاقة المتحكم وعقلية القطيع”، و”علاقة سيادة الطاغية في فرقة وتفرقة شعبه”، علاقة المستبد حينما يجد تابعين ممن هم موضع استخفافه واستهانته ملوحا لهم في كل حين “أنا أو الفوضى“. فمن المهم أن تتعرف على ما أحدثه السيسي بنظامه الانقلابي، وصفحات كتابه السوداء في ملفات حقوق الإنسان والحريات والملفات السياسية والدستورية والتشريعية.

العدالة الغائبة

يأتي بعد ذلك التبديد الذي يتعلق بالانقلاب في إطار منظومة العدالة، ذلك أن هذا النظام قد بدد كل ما يتعلق بمؤسسة القضاء ووظائفها في إقامة العدل وتحقيق الإنصاف، ومن المؤسف حقا أن تستبدل ذلك بسياسات الظلم ومظاهر الإجحاف، فضاعت في الحقيقة وظيفة القضاء وتورط معظم القضاة في اقرار حالة الظلم؛ إما بالإسهام المباشر في إصدار أحكام جائرة أو بشكل غير مباشر بالسكوت على كل ظلم يقوم به السيسي وزبانيته؛ فإذا تحدثت عن جهاز النيابة العامة، فحدث ولا حرج عن جهاز لا يقوم بأصل وظيفته بالتحقيق والتدقيق، ولكنه يقوم بتقديم الغطاء لكل ظلم وسلوك يتوسل كل حيلة من مسالك التلفيق، فصار مرفق العدالة يسير بسيرة الظلم ولا ينتصف لأي حق.

صار من يستحق أن يكون خلف القضبان وفي السجون خارجها يتنعم، ومن خلف القضبان يقبع في غياهب السجون هو المستحق للحرية والتكريم، أضف إلى هذا أن منظومة العدالة قد افتقدت أي روح تشريع يتعلق بإشاعة العدل وضمان تحقيقه، وصارت التشريعات تقنن للظلم والمظالم وتحرك كل المعاني التي تتعلق بتطبيق قوانين ظالمة وقواعد باطشة، حقق كل ذلك ضمن منظومة استبدادية فاشية، أما العدالة الموصوفة بالاجتماعية فحدث ولا حرج عن نظام لا يهدف إلى تحقيق العدل، وصار هؤلاء الذين يقعون تحت خط الفقر يتزايدون بشكل يومي كعلامة على الظلم المستمر وسوء توزيع الموارد، وبدا هؤلاء الذين يتنعمون في عز مستبد لا يقيم وزنا ولا بالا لفقر الفقير ولا حتى موته وفقدان حياته

كل ذلك إنما يعني أن تلك التضمينات الأربع في شعارات الثورة أزهقت عن عمد ووئدت بقصد، وبدا الأمر في أسوء حال عما كان عليه في زمن المخلوع مبارك، وفي هذا المقام يمكننا أن نؤكد أن تلك المنظومة الانقلابية نقضت كل ما يتعلق بكيانية الإنسان وكرامته ورزقه ومعاشه وما يقيم أوده وصحته وعافيته، واستطاعت تلك المنظومة بذلك أن تترك الإنسان والمواطن كحطام لا يستطيع أن يبلغ معنى تكريمه وكرامته، ووقع الإنسان في منظومة استخفاف كبرى لذاته وفي كيانه وعلى امتداد عمرانه، لم لا والظلم مؤذن بخراب العمران كما يؤكد على ذلك ابن خلدون.

من المهم أن تتعرف على ما أحدثه السيسي بنظامه الانقلابي، وصفحات كتابه السوداء في ملفات حقوق الإنسان والحريات والملفات السياسية والدستورية والتشريعية والملفات الخدمية والإنتاجية في الزراعة والصناعة، والملفات الاقتصادية من “تعويم” الجنيه وارتفاع سعر الدولار وتضخم الدين الداخلي والديون الخارجية. كيف تدار ملفات السياحة والرياضة والثقافة، والصحة والتعليم، في كل حال ومجال ومشروعاته القومية الفنكوشية التي لا تعبر إلا عن الزيف والتزوير في حق هذا الشعب، وما قام به بالنيل من هذا الوطن بالتفريط في أرضه وعرضه وكل المعاني الجوهرية التي تتعلق بأمنه وأمانه، وفرط في موارد هذا البلد من غاز ومياه وأراض، وكيف حنث بقسمه، وخان بانقلابه وتفريطه، واعتباره أمن الكيان الصهيوني جزءا لا يتجزأ من أمن مصر بتزييفه لحقيقة هذا الأمن ومقتضياته؟!! ومن المهم وأي فرد أو مواطن من شعب مصر يواجه تخريب هذا النظام المتعمد وظلمه الغاشم، وسياساته الفاشية والفاسدة. ألا إن هذا الوطن يستغيث ببنيه الشرفاء الكرماء، إنقاذ هذا الوطن صار واجبا على أهله وشعبه.

الفضيحة:

الاخفاء القسري والاعتقالات والاغتيالات

يعتبر[3] ملف الاختفاء القسري من الملفات الخطيرة التي تهتم بها المنظمات الدولية غير الحكومية فضلا عن بعض الجهات الحكومية المصرية وبعض الناشطين في هذا الحقل المتابعين للشأن المصري، ورغم أن البعض يطلق على ذلك اختفاء قسريا إلا أن الأدق أن يٌسمى ذلك “اختطافا” حينما تقوم به أجهزة الأمن في إطار عمليات خطيرة تقوم من خلالها تسديد ملفات تحاول بشكل أو بآخر أن تقدم أي جناة في قضايا مزعومة للتأكيد على فاعلية جهاز الشرطة وما يسمونه من متابعات أمنية.

ويشهد هذا الملف بعدا شديد الخطورة حينما تقوم جهات عدة على رأسها الجهات الأمنية بنفي أفعال الاختطاف القسري التي تقوم بها الأجهزة، ورغم أن هناك أحداث فاضحة وفادحة إلا أن السلطة الغاشمة بكل أجهزتها تحاول أن تسدل ستار من التعتيم على مثل تلك القضايا ولولا أن جهات حقوقية وجهات دولية غير حكومية تثابر في هذا المقام ما كان هناك كشفا وفضحا لبعض هذه الحوادث الخطيرة التي توضح عملا ممنهجا من النظام، في أعمال الاختطاف يبدو ذلك مع بعض شخصيات تملك بعض الشهرة اكتشفت أن النظام لا يتوانى أن يجعل من الاختطاف لخصومه من أي مكان نهجا يرتكبه بغير أدنى مسؤولية أو محاسبة.

يبدو أن تلك القضية التي شغلت الرأي العام المصري في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تقرير بثته الـ بى.بى.سى حول بعض هذه الحالات أراد النظام المصري أن يحاول تبرئة نفسه من هذه التهم التي تتعلق بالاختطاف القسري، فها هو يدين نفسه وتنفضح أجهزته الأمنية خاصة حينما يرتكب الأخطاء تلو الأخطاء، فيختطف تلك الحالة في محاولة منه أن يملي عليها رسالة زائفة بما بث في إطار اختطاف واعتقال واغتصاب لهذه الحالة، ورغم أن تقارير عدة من منظمات دولية وحقوقية مٌلأت برصد كل أنواع الانتهاكات من قتل أو اختطاف أو اغتصاب وتعذيب، إلا أن هذه القضية وقف عندها النظام ظانا أنه يستطيع أن يقلب هذه القضية لمصلحته بتدبيج كافة الأجهزة الأخرى التي تسير في ركابه للقيام بعملية تزييف وتزوير كبرى في الأحداث والروايات وبشكل مفضوح، حيث يجرجر أحد المذيعين في الفضائيات ليجري حديثا في وزارة الداخلية وتحت التهديد لهذه المرأة ولمشهد زوجها في إملاء معلومات مغلوطة تؤكد فجر هذا النظام وأجهزته الأمنية في ظل فبركة صار النظام يقوم بها بشكل متكرر.

إذا أردنا فقط أن نذكر هؤلاء فلنذكرهم بقصة أخرى حول تحقيقات ريجيني الباحث الإيطالي، حول قتله تحت التعذيب فهؤلاء خمسة من الشباب اتهمتهم وزارة الداخلية وقامت بتصفيتهم في أحدا “المكروباصات” على هامش إحدى محاولات فبركة قضية رجيني وفبركة ضبط جوازه مع الضحايا في مشهد عبثي عجيب، كله فبركة وتمثيل إلا تصفية الخمسة شباب والذين لفقت لهم القضية وهم موتى وبعد تصفيتهم جميعا، نظن أن من يقتل حتى يغطي على جريمته في قتل هذا الباحث الإيطالي، يستطيع أن يتهدد ويتوعد ويزبد ويرعد ويفعل كل شيء من أجل التغطية على جريمته حتى صار الكذب والإفك سياسة ومنهجا، والافتراء والتلفيق طريقته المفضلة للهروب إلى الأمام وارتكاب جرائم وانتهاكات أخرى ربما تكون أخطر ولكنها تعبر في النهاية عن سياسة تعتمدها الداخلية بعد أن أعلن المنقلب أنه لن يحاسب أحدا من هؤلاء حتى لو عذبوا وقتلوا.

دعونا أيضا أن نتذكر عربة الترحيلات وفبركة التحقيقات والإثنين وثلاثون “بتاع” على حسب ما ذكر عباس كامل، فمن سيحاسب هؤلاء؟ هل هؤلاء الذين خنقوا داخل عربات الترحيلات بفعل متعمد مقصود فمن قتل من ضحايا ليسوا إلا “بتاع”! أما الذي قتل وارتكب جريمته يقول هذا الفاجر أن أباه يبدو أنه من علية القوم يكلمه على ابنه وأنه يموت عليه قهرا على حد تعبيره، ها هو منطق السادة والعبيد، منطق العنصرية البغيض تقوم به المنظومة الانقلابية بلا حساب أو عقاب، كل شيء قابل للفبركة ليبرؤا القاتل ويقتل الضحايا ويفبركون الجرائم ويٌصفٌون خلق الله، فهذه النفوس مستباحة لا تساوي شيء وليس لها من ثمن أما هم وإن كان القتلة منهم، فهم أسياد فوق الحساب والعقاب.

بهذا المنطق تحدث التلفيقات وتكون الاعتقالات يفلت المجرم وينتهك كل ذي حق بصدد الضحايا ثم يأتي الإعلامي “الثعبان الأقرع” ليمرر تلك الفبركة في مهمة أمنية وبدوره الأملس الخبيث يقوم فيها بكل نطاعة  وبجاحة، وبعد أن أكد أنه في بيت الضحية فإذا به بعد ذلك يخرج ويقول أنه في بيت الداخلية، هل عند أحد ذرة شك فيما يقومون به من جرائم وما يقومون به من تلفيقات؟ وهنا فلتستدع مجالس حقوق الإنسان التي قالت من قبل ونفت أن تكون هناك اختطافات قسرية وتخرج وزارة الداخلية وتطلق الاتهامات ويأتي كبير هيئة الاستعلامات الكائن العسكري في خدمة العسكر ليتحدث عن مهنية الـ بي.بي.سي وعن كذب ارتكبته واعتذار يطلبه، وما جربنا على هؤلاء من الأجهزة الأمنية سوى الكذب والافتراء وارتكاب أحط الأفعال دون اختفاء قسري وتصفية جسدية وتعذيب حتى الموت ثم تحدث التلفيقات.

مجموعة بلطجية اعتدت على “المستشار جنينة” وتلفيقات تحدث كل مرة بها ضباط الداخلية أو أمناء الشرطة من تجاوز وقتل مواطنين بالاعتداء عليهم وتعذيبهم حتى الموت، وبعد ذلك يأتي فصل التلفيقات ويخرج هؤلاء بمحاكمات هزلية وبعد ذلك يدعى هؤلاء بالمهنية والمصداقية، يلفهم والتلفيق لهم والشعب ضحايا من قتل واعتقال وتعذيب وتصفية واختفاء واغتصاب. فإذا خرج أحد بعد ذلك ليتحدث عن السلطة المفبركة طاردوهم وطالوهم بالاعتقال، ها هي الأم قد اعتقلت بعد روايتها المخالفة في أجهزة إعلام أخرى، من خرج على النص فليس له إلا الاعتقال وربما ليس له إلا الموت، إنهم يحاولون أن يدفنوا الصدق أو يدفنوا تلك الرواية الفاضحة لهذه المنظومة الباطشة التي لا تحسن إلا فعل القتل أو الاغتصاب. سلطة الاستبداد توزع الكلام وتوزع الخوف والبطش، كما تبطش بكل من يخرج على نصها.

نعم “حاكموه لا يحكم”؛ فهو الذي اغتصب السلطة وقطع الطريق بإجرامه وسلاحه على مسار ديموقراطي، وهو المجرم الغادر الذي اختطف الرئيس المدني المنتخب وأخفاه في محبسه فترة من الزمن ولفق له من القضايا هو وغيره لا تنطلي على أحد إلا باعتبارها محاكمات انتقائية انتقامية، فإذا فعل كبيرهم هذا فهل لا يفعل زبانيته الصغار من جرائم الاغتصاب والاختطاف والتلفيق، حاكموه لأنه زوّر بعض الوثائق حتى يتنازل عن تيران وصنافير ويفرط فيها، إن هذه المرأة التي اختطفت قسريا ثم اغتصبت ليست إلا رمزا لمصر المحبوسة المغتصبة المختطفة التي اختطفت من السيسي وعصابته وصار هذا ببلطجته يتربع على كرسي السلطة يساعده مجرمين صغار يقومون باستباحة النفوس والأعراض، بعد ذلك يتقدم هذا الرجل المشهد لدورة رئاسية ثانية ويقدم نفسه ليحكم مصر أربع سنوات تالية، أيها الناس تأتي المشاهد والأحداث لتؤكد أن هذا الغادر المغتصب، ومن سانده ليؤمن كرسيه، من الواجب أن “يحاكم لا أن يحكم”.

لائحة الاتهام لجرائم الانقلاب

حينما[4] نتحدث عن منظومة الانقلاب فإننا بالأساس نتحدث عن رأسه الذي ارتكب جرائم تصل في معظمها إلى درجة الخيانة العظمى أو خيانة الأمانة في حق الوطن، ويحاول هذا الخائن أن يدفع عن نفسه تهمة الخيانة باتهام غيره بذلك فهو يتهم كل من ينتقد جيش مصر أو شرطته بتهمة الخيانة العظمى كما ورد على لسانه، فإذا أردنا أن نتحقق بماذا يقصد بجيش مصر فإننا نراه لا يتحدث إلا عن نفسه وعصبة معه ممن أسمو بالمجلس العسكري يقوم هؤلاء بالتحكم في مقدرات مصر دفعوا بهذا المنقلب في المقدمة ليقوم بكل هذه الجرائم واحدة تلو الأخرى وهم لا يحركون ساكنا، أو يرفعون أي إشارة للاعتراض أو حتى الاختلاف على ما يحدث في النيل من المواطن والإنسان والتفريط والتنازل عن مقدرات الأوطان، وإذا ما تحققنا منه عن ماذا يعني باتهامه بالخيانة العظمى لكل منتقد للشرطة، فإنه يعني بذلك أن لأجهزة الأمن أن تقوم بما شاءت في البلطجة على هذا الشعب والتجاوز في حق إنسانيته وتعذيبه وترويعه فمن تحدث عن ذلك فإنه واقع تحت الخيانة، ألا إنهم هم الخائنون ولكن لا يشعرون وربما يشعرون.

وهنا لا بد أن نذكر عدة اتهامات أساسية لجرائم حقيقية قانونية ودستورية وإنسانية تصل لدرجة الخيانة في حق الوطن والمواطن:

الأول من هذه الجرائم: القيام بالانقلاب العسكري في 3 من يوليو في إطار من حكم العسكر بشكل مباشر وقطع الطريق على مسار ديموقراطي واختطاف الرئيس المدني المنتخب وحبسه من دون وجه حق، والقيام بإيداعه السجون وعمل كل ما يتعلق بمحاكمات انتقائية انتقامية لا تقوم على دليل ولا تقبل التبرير، إن هذه التهمة الانقلابية إنما تشكل جريمة لخيانة الوطن والشعب والثورة والثوار كان هذا الانقلاب مدخلا لمشاركة هؤلاء المضادين للثورة في القيام بثورة مضادة لإجهاض ثورة يناير وأهم مكاسبها يتضح ذلك في قرائن كثيرة تتأكد من خطابات المنقلب ومن سياساته الكبرى التي تقوم على مطاردة من شارك في ثورة يناير واعتقالهم ومحاكمتهم بدون وجه حق والتشويه المتعمد والممنهج لهذه الثورة ورموزها.

 الثاني: ترسيخ حكم فاشي شمولي بوليسي أمني يعمل على مصادرة كل السلطات التي تمثل إرادة هذا الشعب وهذا الوطن من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وإعلامية واحتكارها جميعا لمصلحة هذه العصابة التي استطاعت أن تعسكر كامل المجتمع وتجعله تحت إمرتها وطغيانها، وتصادر الوظائف الحقيقية لهذه السلطات، بل وتحدث انقلابا في جوهر هذه الوظائف فصارت كلها تعمل ضد مصالح الوطن والمواطن على حد سواء.

الثالث: التفريط في الأرض المصرية والتي تتمثل في تيران وصنافير والتنازل عن الجزيرتين للمملكة العربية السعودية خروجا عن الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا، وما أدى بها الى تشكيل أحكام أخرى صادرة من المحكمة الدستورية من جراء أحكام كشفت عن التنازل الفاضح والخيانة الواضحة من جانب نظام السيسي، وتزوير وثائق ليست في مصلحة الوطن أو الحفاظ على أراضيه وهو أمر لا يتنافى فقط مع مواد الدستور بل يتنافى مع القسم الذي حلفه بمقتضى وظيفة اغتصبها إلا أن هذا القسم لم يأمن من غدره فغدر به رغم احتوائه على الحفاظ على الوطن وسلامة أراضيه، فإذا به يفرط بأراضيه يبيع تلك الأراضي ويتنازل عنها في الجزيرتين وغيرها من دون أدنى مساءلة أو حساب، مستأسدا بوجوده في السلطة وقيامه بهذا الفعل الخطير مورطا مؤسسات الدولة من الحكومة ومن جيش مصر في هذا المقام.

  الرابع: التفريط في الأمن القومي المصري والسيادة على الأرض وهو أمر من المؤسف حقيقة أن يمارس كل سياسات مضادة لثوابت الأمن القومي المصري رغم انتهاكها، والحديث عن الحفاظ عليها وهو يزهقها والتحالف مع الخصوم والأعداء، واعتبار أمن الكيان الصهيوني جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، بينما يقوم بكل ما من شأنه بمحاصرة سكان غزة وإغلاق عبر رفح والتعاون والتحالف الأمني مع إسرائيل وارتكاب كل ما من شأنه تهديد الأمن القومي المصري، بل ومشاريع مزعومة لا يتورط هو في الإعلان عن بعضها او يعلن عن بعضها في مصادر أجنبية تؤكد على النية الواضحة التي تتعلق في التفريط في البعض من أرض سيناء لمصلحة العدو الصهيوني وانهاء القضية الفلسطينية تأمينا لدولة إسرائيل فيما يسمى بخطة الوطن البديل.

الخامس: التفريط في حقوق مصر في الغاز في البحر المتوسط سواء بالنسبة لإسرائيل أو لقبرص أو اليونان ضمن ترسيم للحدود، يقوم من خلاله بالتنازل عن ثروات البلاد على نحو ممنهج في ظل معاهدات ظالمة لا تجد لها  أي سند قانوني سوى أنه يتنازل عن موارد هذه البلاد الاستراتيجية بأبخس ثمن وباتفاقات مريبة ومشوبة بالخيانة الواضحة من قبله وقبل العصبة التي تحكم معه، ولا شك أن هذا التفريط قد واجه من البعض رفع قضايا في هذا المجال أوعز إلى قضائه الملاكي بإصدار أحكام تتعلق بأن ذلك من أعمال السيادة، وكما يقول الحكيم طارق البشري “ليس من أعمال السيادة التنازل عن السيادة”.

السادس: التفريط في مياه النيل شريان الحياة في مصر والتوقيع على إعلان سد النهضة مع إثيوبيا والسودان؛ بما يحمل اعترافا وتفريطا في حصة مصر من المياه وفق اتفاقات ظالمة وتؤثر على مستقبل مصر في مواردها المائية، ثم تعلله بعد ذلك بأن الأمر ليس في يده وأن الأمر أمر الشعب الذي يجب الوقوف معه، ولا ندري كيف يقف معه وقد فرط وخان الأمانة وقام بكل ما من شأنه التفريط في الحقوق المائية والاستراتيجية التي تتعلق بمياه مصر.

السابع: اعتقال على ما يربو على مئة ألف مواطن، ستون ألف دائما أو يزيد يتوزعون على سجون مصر، وهو ما أدى إلى تحول مصر إلى سجن كبير وإلى سياسة ممنهجة تتعلق ببناء مزيد من السجون حتى تخطت 47 سجنا بالإضافة إلى أماكن اعتقال غير رسمية من معسكرات للأمن المركزي وأماكن أخرى، بما يجعل شأن الاعتقال سياسة ممنهجة وما يرتبط بها من اختطافات قسرية ومن تصفيات جسدية والتعذيب المفضي إلى الموت والقتل البطيء المتعمد، واغتصابات النساء في السجون والمعتقلات وارتكاب جرائم متعددة ومترتبة على عمليات الاعتقال، فضلا على قيام السلطات الفاشية باعتقالات من غير تحقيقات ومن خلال تلفيق الاتهام وهي تهمة مركبة تتعلق بإهدار العدالة وإهدار حقوق الانسان والنيل من جسده وحرمة حياته.

 الثامن: قتل ما يزيد على ستة آلاف مواطن مصري معارضين له منذ الانقلاب 3 من يوليو خاصة ما يتعلق بمجازر رابعة وأخواتها، سابقاتها ولاحقاتها من الحرس الجمهوري والمنصة وميدان النهضة وجرائم أخرى وعربة الترحيلات، وكثير من الجرائم التي ارتكبها بشكل مباشر من خلال أجهزته الأمنية البوليسية واستهانتها بالنفس البشرية والتصفيات الجسدية خارج إطار القانون.

التاسع: احتكار السلطة والثروة في أيدي حفنة من رجال قيادات الجيش ورجال الأعمال المتعاونين معه، والسيطرة على كامل مقدرات الاقتصاد المصري في محاولة للسيطرة على كل مصادر القوة في البلاد الاقتصاد والمال والاعلام بما يحقق الهيمنة الكاملة لمصلحة هذه التهمة والعصابة، وهي أمور ترتبط بمجموعة من التشريعات سيئة السمعة والتي تتعلق بالتصرف من غير ضابط في أراضي الدولة والاستيلاء عليها ومقدرات هذه البلاد ومواردها ضمن خطة محكمة لتلك العصابة في الاستيلاء على العباد والبلاد.

العاشر: تهجير أهل سيناء وتدمير مساكنهم والقيام بأعمال تؤدي في النهاية إلى ضياع سيناء أو تدويل قضيتها، وادعاء تنميتها رغم القيام بمشروعات محددة لمصالح فئات ودول بعينها وهي أمور لا تهدد فحسب الأمن القومي المصري ولكنها تجعل من سيناء في الحقيقية منطقة للعبث الدولي لمقدرات مصر وتدويل سيناء والمشاريع المستقبلة في صفقة القرن.

هذه قائمة اتهامات لجرائم ترقى للخيانة وغير ذلك كثير نقدمها أولا للشعب المصري ولهؤلاء الذين ينادون بأن يحكم لفترة رئاسية ثانية هذا الخائن الذي خان الوطن وخان الأمانة، وإن أنصفنا فوجب أن “يتحاكم لا أن يحكم”.

قائمة الفشل

تؤكد[5] القوائم الأخرى التي لا تعد في عداد الجرائم المتعارف عليها من الناحية القانونية ولكنها في حقيقة الأمر جرائم ترتكب في حق الوطن وحق المواطنين من خلال تصدير هذا النظام لحالة من حالات الفشل الذريع في موقف مركب يقوم هذا النظام بتراكم فشله بعدة أمور:

الأمر الأول: أنه يخاف أن يعلن عن مشروعاته خوفا من الأشرار الذين يتربصون بإنجازات هذا النظام وهو بهذا إنما يتحدث عن شيء عجيب يتعلق بالإنجازات المخبأة عن الشعوب حتى لا يستهدفها الأشرار؛ وهو تبرير يعبر عن حالة من حالات الطفولة السياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال قبولها ولا يمكن اعتبارها في الخطاب السياسي الذي يمكن أن يتداول بين عموم الناس.

أما الأمر الثاني: يعبر قيامه ببعض المشروعات والتي هي خارج إطار الجدوى الاقتصادية والاسهام في تقدم الوطن أنه يقوم بمثل هذه المشروعات لا بعائدها المادي أو الاقتصادي ولكنه يقوم بها على حد تعبيره “رفعا للروح المعنوية” لدى المصريين، وإذا كان الأمر الأول يعبر عن طفولة سياسية في هذا المقام فإن هذا التبرير لا يقل عن سابقه ولكنه يزيد عليه حينما ينتمي إلى دائرة البلاهة الثقافية والغباء السياسي.

الأمر الثالث: حديثه عن مشروعات وهمية يحاول من خلالها أن يشيع لدى الكافة أن السيسي المنقلب هو رجل المشروعات القومية وفي حقيقية الأمر فقد أدلى السيسي بمشروع تلو المشروع، ولكن اكتشف البعض بعد ذلك أنه يروج الأوهام ويبيع الأحلام، وهو أمر يجيده من خلال إعلامه الذي يتحدث عن الانجازات وحينما تسأله عنها فإنه يدفع بالقول إن من لم ير انجازات السيسي هو أعمى! وفي حقيقة الأمر إن هذا ينتمي إلى دائرة الدعاية والكذب السياسي لتكتمل تلك الدوائر في إطار يعبر عن مشروعات وهمية في ظل نظام وثقافة وإعلام الفنكوش.

 يحاول أن يعدد تلك المشروعات فإنه يقوم بالمبالغات غير المقبولة وغير المعقولة فيتحدث عن أحد عشر ألف مشروعا قام بها السيسي ومنظومة ادارته، وبقسمة هذه المشروعات على سنين حكمه فإنها تخرج عددا غير معقول، وهو ما يؤكد حالة من حالات الكذب الانتخابي ليضيف إلى هذه الأمور السابقة حالة من الانتفاخ السياسي النابعة من إلقاء أي أرقام مهما كانت تتسم بالمبالغة والتهويل.

الأمر الرابع: فلا يمكننا أن ننسى إذ ننسى، مشروعات هزلية مثل عربة الخضار واللمبة الموفرة للطاقة، وجهاز الكفتة الذي يعالج كافة الأمراض ليعبر عن حالة احتيال سياسي غير مسبوقة في إطار عملية نصب كبرى يقوم بها النظام، ويروج لمجرد تفاهات لا تنتمي إلى دائرة العلم بصلة إلا أن يكون ذلك محاولة لنسبة انجازات تعبر عن حالة من الدجل السياسي اشتهر به دجل اللواء عبد العاطي في إطار يٌشيّع بين عموم الناس “الكفتولوجي” طريقة حياة وطريقة تفكير، فإن أمور غير قابلة للتصديق يجب أن تتبع فيها العسكر من دون سؤال أو تعقيب وكأن المشاريع أمر يتعلق بتشييع الأمر والطاعة حتى في قبول المشاريع حتى لو كانت خارجة عن دائرة القبول والمعقول.

الأمر الخامس: يتعلق بمشاريع تقوم عليها القوات المسلحة في إطار الامتداد وتغول العسكر على مساحات الاقتصاد، فالجيش صار هو المستورد للبن الأطفال ومشروعات تطوير السرك القومي ومزارع الأسماك وكل المشروعات التي لا تمت بعالم القوات المسلحة بصلة، حتى صار الأمر واضحا وفادحا حينما يقوم الجيش بسيطرة على قطاعات اقتصادية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون له أو في إطار عمله.

فمشاريعه يمكن أن نسميها بحق مشاريع إهانة صورة الجيش من مثل إنتاج الكحك والبسكويت وتلك الصورة الهزلية التي خرج بها الضباط وهو يتحدث عن وظيفته كضابط أركان حرب يختص بخط الجمبري “المخلي” منه و”الفيليه”، فهل هذا في حقيقة الأمر هو دور الجيوش وهل يكون من دور الجيش أن يأجر قاعات للأفراح يغني فيها المغنون ويتمايل فيها الراقصات ثم تسمى هذه الدور بأسماء أفرع القوات المسلحة فهذه قاعة الدفاع الجوي وتلك للمدرعات وهذه للطيران وهذه للمشاة وتتسابق في عمل حفلات رأس العام، أليس ذلك يقلل من شان جيش مصر فوضعه في الخانة التي لا يجب أن يوضع فيها أم أن هؤلاء أرادوا وبشكل متعمد أن يظهروا هذا الجيش في صورة هزلية.

هذه بعض الأمور التي تستحدث منظومة من التبريرات ما أنزل الله بها من سلطان وإذا أردت أن ترى جملة المؤشرات التي تدل على فشل النظام الحالي في إدارة البلاد فنستطيع أن نعدد بعض من:

  • الانفلات الأمني في مختلف أنحاء مصر من جانب الشرطة المصرية التي لم تعد تهتم إلا بأمن السلطة ومطاردة المعارضين على حساب الأمن الحقيقي الذي يتعلق بحماية البلاد والعباد، فزيادة الجرائم وأنواعها وأشكال عنف الجنائي كلها تعبر عن حالة الانفلات تلك التي تحدث نتيجة اهمال جوهر الوظيفة الأمنية الحقيقية مقارنة بالاهتمام بأمن صاحب السلطة ومنع المظاهرات ومتابعة السكنات والكلمات ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.
  • انهيار منظومة العدالة بكل أشكالها وتوريط القضاء والقضاة في كل تجاوزات النظام وصناعة شبكة ظلمه وجوره مما أفقد عموم المواطنين الثقة الكاملة في تلك المؤسسة بكل أجهزتها.
  • فشل المشاريع الفنكوشية مثل مشروع المليون فدان، ومشروع قناة السويس الجديدة، وكذلك الفشل في انشاء مشاريع البنية التحتية وتوفير المرافق الأساسية، ولك أن تشهد تكرار انهيار الكباري رغم حداثة إنشائها.
  • ارتفاع مؤشرات الفقر والبطالة والعنوسة والطلاق والانتحار.
  • انهيار المنظومة الصحية وارتفاع اسعار الأدوية بشكل غير مسبوق وشح الأدوية واختفاء بعضها.
  •  فشل المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ في إنقاذ مصر من مشكلاتها الاقتصادية، وكذا فشل مثلث التعدين الذهبي في الصحراء الشرقية، والفشل في جذب الاستثمار الأجنبي لإنعاش الاقتصاد، وكذلك الفشل في الحفاظ على آثار مصر علاوة على انخفاض معدلات السياحة ومدخولها.

 كل تلك المؤشرات إنما تؤشر على فشل اقتصادي فادح وواضح والعجز عن توفير معاش الناس بشكل واضح، ولا يطلب منهم هذا النظام الانقلابي إلا مزيدا من الصبر والتحمل ومزيدا من المساعدة ومزيدا من فرض الضرائب والتفنن في اختراع أشكال الجباية، ويتأكد هذا الفشل الاقتصادي بانسحاب هذا الفشل وتأثيره ليس فقط على الأجيال الحالية ولكن كذلك على إرهاق الدولة بمديونيات محلية وخارجية ضخمة بغير مقتضى مما يلقي أعباء مستقبلية على عاتق الأجيال المقبلة ومصادرة مستقبلها، هكذا يتبين لنا من منظومة المبررات التافهة والمؤشرات المعبرة عن حالة الفشل للسيسي ونظامه، ومن ثم يجب أن يُحاكم لا أن يحكم.

قائمة الفاشية

تشكل[6] القوائم الأخرى التي تتعلق بالفاشية والفساد والفشل مع تراكمها جرائم جنائية في حق العباد والبلاد، المواطن والوطن، فمن المهم أن نرصد كل ذلك لنؤكد على هذه الحقيقة؛ أن منظومة الانقلاب وعلى رأسها عبد الفتاح السيسي المنقلب تقوم بعملية تخريب منظم لكل مقدرات الوطن، وهي كلمة وردت على لسان المنقلب ربما بشكل عفوي حينما قال معلقا على مطالبة الشباب بالتغيير وعلى أشواق الشباب لثورة جديدة مستأنفة “أنها لن تنفع لهم ولن تنفع لغيرهم”.

 وربما هذا يشير إلى تلك الخطة الممنهجة التي تضاف إلى خطط الفرقة والفوضى فينضم إلى ذلك خطة التخريب المتعمد لمقدرات الوطن حتى يقيم جبلا من الأزمات المستقبلية التي تتراكم، على فرض أن نظاما جديدا قد يحكم وأن تغييرا كبيرا قد يحدث، ومن ثم فإن أخطر ما في الأمر هو ما يقوم به النظام في مصادرة أي عملية لتغيير أو إصلاح قادم، بحيث مع تراكم هذه الأزمات الهيكلية المزمنة يزهد هؤلاء الذين يطالبون بالتغيير أو يطمحون إلى قيادته فيؤدي ذلك إلى شلهم عن الحركة وإلى النظر إلى الثورة كعملية مستحيلة ينتج عنها نظام يترجم شعارات هذه الثورة ومطالبها وأهدافها.

 ومن أهم تلك القوائم التي يجب أن نتوقف عندها ويقوم بها هذا النظام على نحو ممنهج لصناعة جمهورية الخوف؛ وصناعة مؤسسات الظلم وتمكين كل سياسات الفاشية والمسالك البوليسية في إدارة البلاد، تحت عناوين كبرى أهمها الحفاظ على الدولة وتمكين الأمن والاستقرار، ومن المهم منذ البداية أن نؤكد أن هؤلاء الفاشيين المتسلطين لا يبتغون هذه الأشياء على الحقيقية “الدولة الأمن الاستقرار”، بل يجعلونها شعارات وغطاءات لإحكام منظومة الظلم والفاشية في المؤسسات والسياسات والعلاقات، بحيث تخرب المجتمع بأسره وبنياته وجملة علاقاته وشبكته الاجتماعية والمجتمعية.

ليس عجيبا أن نرى ذلك العنوان عند ابن خلدون يصدع به ويجعله عنوانا لفصل في مقدمته العظيمة “الظلم مؤذن بخراب العمران”، ذلك أن سياسات الظلم والاستبداد تقوم على تخريب مجمل العمران معنى وقيم، مبنى ومؤسسات، كيانا وانسانا، تخرب ذلك جميعا مع سبق الإصرار والترصد وبدون هوادة حتى تجعل المجتمع والدولة في حالة عدم صلاحية لعمليات تغيير كبرى في المستقبل، كما أنها حينما تصنع مجتمع الكراهية مضافا إليه مجتمعات الخوف فإن ذلك يحدث جدارا سميكا لا يمكن أهل التغيير من القيام بأدوارهم، أو على الأقل إن لم تكن في مساحات الاستحالة تكون في إطار من الصعوبة التي تجعل عملية التغيير مكلفة زمانا ومكانا وموارد وإنسانا، ونتوقف عند بعض العناصر:

العنصر الأول: تلك القائمة التي تعد في هذا المقام إنما تتعلق بسلسلة التشريعات المصنعة للخوف والمطلقة ليد الاستبداد في ذات الوقت لكل بطش وطغيان، يبرر ذلك بهذه الثلاثية التي ذكرناها آنفا (الدولة – الأمن – الاستقرار)، مضافا إليها مسلكا آخر اجتمعت عليه دول المعمورة لصناعة الخوف في أرجائها رغم أنهم أول المساهمين في ذلك الصرح المتعلق بالإرهاب، فيجعلون من الإرهاب عدوا غير محدد يقومون بمواجهته في إطار مطالب من دول كبرى، وتقوم تلك النظم من خلال هذا الدعم الدولي بمقايضة خطيرة، متفق عليها، إنها أي الدول الغربية لا تلق بالا لحريات الشعوب ولا إرادتها ولا آمالها ومستقبلها، ولكنها فقط تهتم بتلك النظم القادرة على مواجهة ما تحدده هي من أنها أشكال الإرهاب ومصادر له.

صناعة الإرهاب إنما تتم وفق آلية تشريعية داخل تلك الدول المستبدة فتقدم ترسانة من القوانين تسهل عملية الاعتقال بالشبهة وتقدم كل ما يتعلق بسطوة الأجهزة الأمنية في التحقيق وإن شئت الدقة في عملية التلفيق، كذلك تمرر تلك القوانين المقيدة للحريات والمستهدفة للمعارضة، ولا بأس في هذا أن تقوم النظم الفاشية بالحديث والترويج لإضفاء صفة الإرهاب على تكوينات وحركات اجتماعية من صميم نسيج المجتمعات وتقدم من التشريعات ما يتعلق بقوائم الإرهاب وما تسميه بالكيانات الإرهابية كل ذلك يشك عربونا وبوابة مرور لتأمين نظم حكمهم وسياساتهم الفاشية.

العنصر الثاني: ملأ السجون بهؤلاء الذين ينكل بهم في سياق عمليات اعتقال واسعة، تهدف هذه الأفعال والسياسات في ذلك إلى تأمين هذه العصابة التي تقوم باختطاف الدولة الوطن لمصلحتها ومصلحة فئة قليلة تحاول أن تجعل من مصالحها مصالح عامة؛ التي تشكل جوهر ما تسميه الحفاظ على الدولة وما هي كذلك، ولا شك أن ذلك من جملة صناعة الخوف في إطار سياسات للمطاردة الواسعة لكل من يقول “لا” للنظام أو لسياساته، ومن هنا فإن هذا النظام يجعل من خططه التوسع في بناء السجون وتوسيع رقعة مساحات الاحتجاز خارجها، وكذلك التخلص من بعض الخصوم بالتصفية الجسدية حتى لا يشغل مساحة في السجون، أي أن الأمر الذي يتعلق بالمطاردة والاعتقال ليس إلا عتبة لتلك السياسات للقيام بإعدامات خارج إطار القانون وداخل إطار القانون المصطنع والتلفيقات الكبرى التي تشكك وتنقض صروح مرفق العدالة وتجعله رهن إشارة المستبد.

العنصر الثالث: هو ما يتعلق بتشييد حالة العسكرة الشاملة في إطار تكريس لنظام عسكري فاشي ودولة بوليسية تدعي القيام بوظيفة أمنية وما هي كذلك، ومن هنا يمكن النظر إلى التشريعات وإلى القضاء العسكري وإلى انفلات الأجهزة الشرطية وإطلاق يدها في التعامل مع المواطن عسفا وظلما بدءا من الترويع وحتى القتل والتصفية الجسدية من دون أي حساب وأي مسؤولية، وهو ما أكدته الدولة الفاشية ممثلة في منقلبها الأكبر حينما أكد أنه لن يحاسب أي من هؤلاء الذين يرتكبون من الأفعال التعسفية مع عموم الناس سواء من الجيش أو الشرطة، وبعد ذلك من اعتماد هذه السياسة في الإفراط في البطش فإنه يتحدث أن من يتقول على الجيش والشرطة يعد خائنا، إنها محاولة لترهيب كل المجتمع بكل مكوناته والتمكين لصناعة دولة فاشية تقوم على قاعدة علاقات السادة ( الجيش والشرطة ) والعبيد (الشعب والمجتمع).

العنصر الرابع: ذلك الأمر الذي يتعلق باغتصاب السياسية ومصادرة كل ما يتعلق بفضاءات المجال العام والمشاركة المجتمعية والسياسية، ومصادرة كل ذلك ليس فقط في أشكال التأمين السابقة التي كانت تقووم بها أنظمة وقيادات سابقة منذ الحكم العسكري ولكن انتقل ذلك إلى مساحات التجريم فصودر كل عمل يتعلق بفاعلية السياسة.

وعلى ذلك تكون هذه القائمة التي تتعلق بالفاشية والتي أشرنا فيها إلى مساحات أربع ليست إلا بعض المؤشرات في هذا المقام، وهي غيض من فيض فيما يتعلق بمنظومة فاشية بوليسية وعصابة اختطفت الوطن والمواطن، وقامت بكل ما من شأنه صناعة جمهورية الخوف، ثم بعد ذلك يقول المستبد وإعلام إفكه لكم مطلق الحرية فاختاروا ما شئتم، إنها الفاشية حينما تحكم وتتحكم والمستبد الفاشي حينما يقدم نفسه لولاية رئاسية ثانية في انتخابات عبثية ويطلب من خلال بطشه وطغيانه الاستمرار في سدة الحكم، وفي حقيقة الأمر إنه يقوم بتخريب المجتمعات والسياسات وتلك جرائم كبرى في حقوق الوطن المواطن. “يتحاكم لا يحكم”.

التزوير الانتخابي

أردت[7] أن أستكمل تلك القوائم التي تشكل أركان عدم صلاحية المنقلب السيسي بأن يحكم مصر أو يستمر في حكمها غرضنا من ذلك أن نؤكد أن مسألة الشرعية لا يمكن ان تكون بحال بإجراء انتخابات شكلية مزيفة، ولكن الشرعية عملية رضا حقيقي تتراكم من البداية للنهاية في تنصيب الحكم والتأسيسي وفي القيام بإنجاز وأداء، إنها الشرعية حينما ترتبط بعملية اكتساب مستمرة، فالشرعية ما بين الإضفاء والاكتساب والنقصان والفقدان، ومن هنا تكون الانتخابات واحدة من أهم مؤشرات الشرعية ان كانت تدل على موجبات الرضا وتتوسل مسالك الاختيار، وعلى هذا قررت أن أؤجل الكتابة في القوائم الأخرى من قوائم الفساد والفجر والخيانة، لأجعل مما حدث في انتخابات 2018 الهزلية مسوغا إضافيا وقائمة من التجاوزات والانتهاكات والجرائم السياسية التي يرتكبها السيسي في حق المواطن والوطن والدولة، وحتى في حق الدستور الذي اصطنعه على عينه فإنه أول من ينتهكه فحسب ولكن هو من أول المستخفين به يدوس عليه بأقدامه.

 وفي هذا المقام فإننا لا بد وأن نتساءل منذ البداية هل تلك انتخابات؟! فنؤكد أن ما جرى في مصر واكتملت به العملية الانتخابية التي نطلق عليها ذلك تجاوزا لا تشكل بأي حال من الأحوال أي صلة بفهم الانتخابات وجوهرها وشروطها وعملياتها المختلفة، وكذلك كل ما من شأنه يعبر عن الرضا والاختيار ويؤسس لمعنى الشرعية الحقيقية، إن الذي اغتصب السلطة أول مرة وقطع الطريق على مسار ديموقراطي وأتى على وقع قعقعة السلاح وصناديق الذخيرة لا يمكن أن يقيم وزنا لصناديق الانتخابات أو عملية الانتخابات في جوهرها، بل أقصى ما يمكن أن يقوم به صناعة شكل انتخابات زائفة حتى يعلن شكلا أنه قام بانتخابات ولو صرف عليها الملايين، ومن أهم المؤشرات الانتخابية كما قلنا هي مسالة الرضا والاختيار كجوهر لعملية الانتخاب ثم تأسيس بيئة انتخابية حرة وسياقات انتخابية حقيقية لإجرائها، وبعد ذلك انفساح المجال لعمليات ترشيح واسعة وحرة تؤكد نزاهة عملية الترشيح من دون أدنى معوقات إلا في ظل قواعد واضحة تعد شروطا للترشيح، شروط منظمة لا شروط مٌعجِزة، ذلك أن تنظيم الحق ركن فيه لا ينتقضه ولا ينفيه ولا يكر على أصل الحق بالتعويق أو الابطال.

وتستكمل هذه المنظومة الانتخابية في عملياتها في الإجراء الحقيقي للانتخابات والممارسات المتعلقة بها بحيث لا يحول النظام أو تلك المنظومة التي تشرف على الانتخابات بين المواطن والإبداء عن رأيه، سواء في العملية الانتخابية برمتها أو في اختياره لأحد المرشحين، وهذه مسالة محوطة بالضمانات الأساسية التي تتعلق بالنزاهة والحرية وإجراء الانتخابات بكل شفافية، ولا شك أن هذه الأمور لا تشكل فحسب نصوصا في الدساتير أو في قوانين الانتخابات ولكنها أعراف سياسية مستقرة ومعتبرة ومتفق عليها في إجراء الانتخابات الديموقراطية.
وتتكامل المنظومة الانتخابية باتخاذ كافة الإجراءات ليس فقط لإجراء عملية التصويت في سياق من الحرية والشفافية ولكن في رقابة هذه العملية من وحمايتها من أي تدخل من أي سلطة كانت سواء أكان هذا التدخل ماديا مانعا أو تدخلا معنويا مروعا ومفضوحا، الذي يشكل في حقيقة الأمر ذات الأثر في التخويف والمنع، تلك هي الانتخابات كما نقرأ عنها في كتابات العلوم السياسية ونظم الحكم وكما نشهد في الممارسات في انتخابات ديموقراطية تتسم بالنزاهة والحرية.

ومن أهم الجرائم التي ترتبط بانتخابات السيسي هي عمليات التزوير من المنبع وإلى المصب، من المنبع الذي يتعلق بالسياقات الرئيسية ومن المصب الذي يتعلق بنتائج الانتخابات المفبركة وهنا تكون عملية التزوير لا نحتاج إلى كثير من المؤشرات والقرائن التي تؤكد زيف العملية الانتخابية وتزويرها من الأساس، أول معني يأتي إلى الذهن حين سماع كلمة تزوير؛ تسويد البطاقة أو تبديل الصوت أو شراء الصوت وكل عمليات الفساد اللي تحدث عند عد الأصوات، التزوير في امتدادته وتعدد أشكاله يشكل عائلة متكاملة ومفهوم يرتبط بمناحٍ كثيرة، حتى يشكل حالة مجتمعية، القانون ينظر للتزوير على أنه ظاهرة تهدف إلى تغيير للحقيقة بقصد الاحتيال والغش بإحدى الطرق المادية والمعنوية التي يحاسب عليها القانون، لأنها تحدث ضررا بالمصلحة العامة ضمن مسارات صناعة الوهم.

   التزوير ليس ورقة تُسود، ولا صوت يُبدل، ولا رشاوي تُدفع، التزوير وفق هذا التصور عملية كاملة تحدث في جميع المراحل أهونها فساد المال وأخطرها فساد الذمم وتشويه الفطر، التزوير عملية كاملة. لأن النظام الذي يسود البطاقة لا يقوم بذلك فحسب بل هو يقوم بتسويد العقول وتبديل المشاعر وغسيل الأمخاخ. التزوير في الانتخابات صناعة متكاملة ممتدة ومتراكمة تجعله ليس في حاجة إلى تسويد البطاقات لأن الناس حينئذ من خلال التلاعب ستفعل مع تدشين عقلية الإذعان وتشكيل الرضا الكاذب بحيث تدفع عموم الناس لاستدعاء أفعال مواتية لمنظومة الفساد والاستبداد وتعيش بيئة مزورة فتسلك كل مسالك التزوير.

 وفي هذا المقام نشير إلى خمسة أركان في عملية التزوير كجريمة ارتكبها هذا النظام الانقلابي:
الركن الأول: تزوير البيئة الانتخابية في إطار تصنيع جمهورية الخوف ضمن استراتيجيات الترويع والتفزيع والتجويع وصياغة عقلية القطيع.

الركن الثاني: تزوير عمليات الترشيح وسد كل المنافذ التي تتعلق بفرض انتخابات حقيقية ذات مصداقية وفاعلية وهو أمر يتعلق بصياغة ما أسميناه الانتخابات القسرية، التي أبرزت عمليات الترشيح حالة من الجبرية والفاشية بل والبلطجة السياسية من قبل السيسي المستبد الفاشي وأحد المرشحين في مواجهة مرشحين محتملين حقيقيين.

الركن الثالث: التزوير في عملية الإجراء وهي حالة لا تختلف من عمليات التصويت القسرية أو التصويت بالرشوة ضمن عملية تزوير كبرى لعمليات التصويت فضلا عن قيام بعض اللجان بالتجاوز في عمليات التوثيق وعمليات الانتهاك.

الركن الرابع: هو التزوير في النتائج وهذه مسالة تحدث فيها النظام الفاشي عن نتائج مسبقة قبل إجراء العملية الانتخابية، وبعد أن تأكد للجميع عمليات مقاطعة واسعة تؤكد عدم ثقة التكتل الانتخابي في عملية الانتخابات برمتها ولا شك أن حجم الأصوات الباطلة يشكل مؤشرا مهما في هذا المقام.

الركن الخامس: يتعلق بالتزوير المعنوي وهي بيئة تتعلق بأداء إعلامي زائف يحمل كل دعايات الكذب والإفك والتزوير والتغرير بالمواطنين، والضغوط المباشرة وغير المباشرة لو أردنا أن نثبت كل هذا الأمور فإن البعض الذين تابعوا هذه العملية الانتخابية قد أثبتوا جملة من الوقائع التي تمثل خطا عاما وممنهجا للدولة الفاشية والمنظومة البوليسية التي قامت بكل ما من شأنه أن تخرج طبعة زائفة من الانتخابات، تعبر عن حالة من الجبر والفجر والظلم والاستبداد أكثر مما تعبر عن حالات من الاختيار والرضا وإرادات الناس في حرية التعبير.
وعلى هذا وجب علينا مع كل هذه القوائم التي لها من القرائن والإثباتات والتي تحمل جرائم وانتهاكات واتهامات؛ لتؤكد على ذات المعنى الذي أردناه ضمن هذه السلسلة المهمة يتحاكم لا يحكم.


[1]  ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 17/2/2018

[2] ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 24/2/2018

[3] ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 3/3/2018

[4]ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 10/3/2018

[5] ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 17/3/2018

[6] ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 24/3/2018

[7] ـ نشر في مدونات الجزيرة بتاريخ 31/3/2018