الفن والرياضة ووظيفة الضد.. مفاهيم ملتبسة
سيف الدين عبد الفتاح
عربي21
“إحنا شعب وانتو شعب، رغم أن الرب واحد، لينا رب وليكو رب”.. هكذا غنى أحد المطربين الذي كان في السابق يصدح بالأغاني الوطنية، عن الشعب المصري في الأيام الأولى من الانقلاب، وباتت صناعة الانقسام والفرقة من صميم مهام أهل الفن والثقافة في ظل نظام الثالث من يوليو ودولة الضد التي يهدف إليها، فقد كان حريصا على قلب الوظيفة الحقيقية للفن والثقافة ويوجهها للقيام بنقيض جوهرها التاريخي والإنساني، فلا يمكن أن تجد أهل الفن والرياضة في أي مجتمع من المجتمعات يلعبون هذا الدور المفرّق للأوطان والشعوب والمجتمعات إلا في ظل الأنظمة الاستبدادية.
فالاختطاف هنا غالبا ما يكون بشكل غير مباشر؛ حيث يستغل النظام بعض أهل هذه المهن الذين يعشقون الارتباط بالسلطة ويركنون لها ليروّج لما يريد، مستغلا هؤلاء وبما يملكون من شهرة لدى جمهور البسطاء ليثبت أركان نظامه وسياساته، خاصة عندما يحاول أصحاب السلطة المستبدة أن يكونوا المتحكم الأول والأخير في مفاصل هذه الصناعة بشكل مباشر أو غير مباشر، في ظل ما بات يعرف بفناني القائمة المفضلة؛ وهم أولئك الذين يعملون في كل الأنشطة والأعمال الفنية المرضي عنها من قبل الأجهزة الأمنية التي باتت تتحكم في الصناعة بصورة شاملة أمنيا واقتصاديا وسياسيا، وما دون ذلك خاصة أولئك الذين شاركوا في ثورة يناير أو لهم شبهة في ذلك؛ فلم يعد معظمهم يستطيع العمل، ومنهم من اضطُر للخروج والعيش في المنفى، ومنهم من أُجبر على ترك المهنة في ظل شح المعروض عليه أو انعدامه؛ كما أن هؤلاء الذين يعون جوهر أدوارهم لم يعد لهم مكان في ظل سياسات فاشية لديها معاييرها الخاصة فيمن تفضل وعمن تتجاهل.
في ظل دولة الضد هذه التي يؤسس فيها الفن للانقسام والتفرقة، نجد أن الدولة الاستبدادية تدير مثل هذه الملفات بالعديد من الآليات والأدوات التي تحاول أن تسيطر من خلالها على المجال العام، شأنها في ذلك شأن هيمنتها التامة على المجال الإعلامي. فالفن والرياضة هما المكملان للمجال الإعلامي في قيامه بكل ما من شأنه إسناد النظام ودعمه وتبرير وتمرير سياساته
في ظل دولة الضد هذه التي يؤسس فيها الفن للانقسام والتفرقة، نجد أن الدولة الاستبدادية تدير مثل هذه الملفات بالعديد من الآليات والأدوات التي تحاول أن تسيطر من خلالها على المجال العام، شأنها في ذلك شأن هيمنتها التامة على المجال الإعلامي. فالفن والرياضة هما المكملان للمجال الإعلامي في قيامه بكل ما من شأنه إسناد النظام ودعمه وتبرير وتمرير سياساته؛ حتى تستطيع السلطة أن تطمئن على اكتمال سيطرتها وبسط نفوذها وفرض سياساتها، خاصة أن الفن في المجتمعات الرشيدة هو المنوط به التعبير عن الشعوب وحفظ حقوقها والدفاع عنها، ومن ثم تعتبر السلطة نفسها آمنة مطمئنة ومؤمّنة من الثورات ضدها ومن خروج الناس عليها إذا ما استطاعت أن تؤمم الفن والثقافة وتجعلهما بين جنبات زبانيتها وأعوانها.
وقد تعددت آليات السلطة المستبدة في ذلك فعمدت إلى شراء الشركات القائمة، وتأسيس شركات جديدة تحتكر تنفيذ الأعمال الفنية، وبات لدى هذه الشركات ما يعرف بـ”فناني القائمة”، وهم هؤلاء الذين يعملون في جميع المسلسلات التي تنتج في مصر، وقد يكون الواحد منهم مشاركا في أكثر من 4 مسلسلات أو أفلام، ليس لموهبة منه ولكن لتقدم اسمه في ترتيب القائمة، ومع ذلك يتقاضى الملايين، في مقابل أجور متدنية لهؤلاء الذين لا يفيدون السلطة أو ينفذون مطالبها، فلا يوجد مكان أصلا لهم في نظام الثالث من يوليو.
إضافة إلى القائمة التي تضم من يعمل وبأي أجر، نجد آلية أخرى هي إنتاج نظام الثالث من يوليو لمسلسلاته، ومن ذلك سلسلة مسلسل الاختيار الذي أنتجت منه السلطة حتى تاريخه ثلاثة مواسم، ونجد أن المسلسل يستغل إمكانات الدولة ومواردها ويحشد فيها من الفنانين بقدر ما يستطيع، ويفرض من خلالها سرديته الوحيدة للأحداث، مستغلا إمكانات الدولة ومواردها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية وكل ما يمكنه لصناعة روايته وتعميمها باعتبارها الرواية الوحيدة والصحيحة. في الوقت نفسه يتم تقييم مكانة الفنان وقيمته المالية بقدر مشاركته في أي من أعمال السلطة “الوطنية”، إضافة إلى المسلسلات يتبنى النظام إنتاج برامج للممثلين لترويج هذه الرواية وترويج خطابه بشكل مستمر، مستغلا الاهتمام الجماهيري بمتابعة مثل هذه الشخوص الفنية.
نجد آلية أخرى هي إنتاج نظام الثالث من يوليو لمسلسلاته، ومن ذلك سلسلة مسلسل الاختيار الذي أنتجت منه السلطة حتى تاريخه ثلاثة مواسم، ونجد أن المسلسل يستغل إمكانات الدولة ومواردها ويحشد فيها من الفنانين بقدر ما يستطيع، ويفرض من خلالها سرديته الوحيدة للأحداث، مستغلا إمكانات الدولة ومواردها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية وكل ما يمكنه لصناعة روايته وتعميمها باعتبارها الرواية الوحيدة والصحيحة
أيضا من الآليات حشد الفنانين والممثلين في المؤتمرات والندوات الرسمية، فنجد أن الفنانين يجلسون في الصف الأول، أو يلقون الكلمات الرئيسية في مثل هذه الندوات، وصولا إلى تكريم هؤلاء الممثلين الذين قاموا بأدوار عسكرية في المناسبات الوطنية كحرب أكتوبر أو عيد تحرير سيناء، ويتم تجاهل الأبطال الحقيقيون الذين ضحّوا بالغالي والنفيس فداء الوطن.
هكذا يكذب النظام ويصدق نفسه، فنجد أن الممثلين والنظام صدقوا أنفسهم بأنهم يقومون بأدوار وطنية وعسكرية في الحياة العامة والواقع، رغم أن ما قاموا به هو عمل فني تم تصويره في مواضع تصوير. هكذا ينشغل الممثلون بمساندة السلطة ودعمها في مقابل أموال طائلة يحصلون عليها، والسلطة واعية تماما لذلك ولا تتأخر عن تقديم كل الدعم اللازم لعكس وظيفتهم وقيمهم وجوهر وظيفتهم، في مقابل ذلك نجد أن هناك فنانين يؤمنون بدورهم ووظيفتهم في الحياة العامة ودفعوا ثمن ذلك الموقف ولا يزالون.
هذا الحلف غير البريء بين الفن والرياضة والسلطة تنتج عنه أشياء شديدة الخطورة؛ حيث يتم إهدار كل القيم ويعكسون وظائف كل المؤسسات بما فيها النقابات والأندية التي يتم ترويضها لمصلحة السلطة وخدمة أغراضها. فهناك نموذج صارخ على الدور الذي تقوم به السلطة في استغلال الرياضة يتمثل في أحد رؤساء أكبر الأندية المصرية، الذي لم يتوان عن خدمة السلطة بكل طريق وصولا إلى الإسهام في ارتكاب مذبحة للجماهير حتى يتم منعها من حضور المباريات دون أن يترتب على هذا القرار توقيع عقوبات.
وقد سبق اتهامه إبان ثورة يناير في معركة الجمل؛ في المقابل يتغاضى النظام عن جرائمه التي يرتكبها ليل نهار وسبّه للكافة، وحتى إذا ما تم توقيع أي عقوبة بحقه لا مفر من توقيعها بعد حكم قضائي باتّ نجدها شكلية، وتُمنع الصحف الرسمية من الإشارة إليها.
يوظف كل إمكانات هذه الصناعات الفنية والرياضية لتحقيق هذه الثلاثية، وإشغال الناس بقصص وحكايات فنية وشخصية لهؤلاء الذين نذروا أنفسهم لخدمة النظام وتحقيق أهدافه، وإلهاء الناس حتى لو تطرقوا لحياتهم الشخصية واستباحوا خصوصيتهم؛ المهم أن يُصرف الانتباه عن قضايا حقيقية وغلاء أسعار وأزمات طاحنة في ظل استراتيجية هذه المنظومة الفاشية للتغطية على فسادها وفشلها
ينشغل هذا الحلف بثلاث مهمات أساسية تتمثل في سياسات الإلهاء، وآليات الإغراق، وعمليات الإغراء والإغواء، ويوظف كل إمكانات هذه الصناعات الفنية والرياضية لتحقيق هذه الثلاثية، وإشغال الناس بقصص وحكايات فنية وشخصية لهؤلاء الذين نذروا أنفسهم لخدمة النظام وتحقيق أهدافه، وإلهاء الناس حتى لو تطرقوا لحياتهم الشخصية واستباحوا خصوصيتهم؛ المهم أن يُصرف الانتباه عن قضايا حقيقية وغلاء أسعار وأزمات طاحنة في ظل استراتيجية هذه المنظومة الفاشية للتغطية على فسادها وفشلها؛ لإرضاء صاحب السلطة الذي لا تشغله الحكاية أو القصة بقدر ما يشغله تأثيرها على الناس ولفتهم عن أوضاعهم اليومية والحياتية، وفي المقابل فرص عمل متوفرة وتعاقد خطير وحقير لتضليل الناس وإلهائهم؛ المهم أن يُمرر ما تريده السلطة ويسعى إلى إرضائها بكل السبل الممكنة، وفرض حالة من الاستقرار الزائف والرضا الكاذب.
ما نقوله ونؤكد عليه لم يضر المجتمع والوطن فحسب، ولكن أضر بأهل الصناعة والمهنة ذاتها، وباتت الصناعة في أدنى مستوياتها، وفي تراجع شديد، وباتت صورتهم الذهنية عند الجماهير أنهم ليسوا إلا أدوات لمنظومة الحكم الفاشي نقضا لوظيفتهم الأساسية وقيم مهنتهم التي من المفترض أن ترتبط بالناس وتعبر عنهم وعن أحوالهم وقضاياهم، فقد شكل مجال الفن والرياضة معا مصانع الإلهاء والإغواء وقابليات الاستبداد لمواجهة الوعي والتنوير والحرية التي يجب أن تكون جوهر وظيفة ودور هذه الصناعة.
اترك تعليقاً